بقلم: كلاوس شواب
تظهر تكنولوجيات جديدة بسرعة كبيرة لدرجة أن المجتمعات فى الشرق الأوسط تعانى لتواكب تأثيرها، وأصبحت التغييرات التكنولوجية تؤثر على كل شىء بدءاً من طبيعة العمل إلى ما يعنيه الأمر أن تكون بشرًا، وقد تكتسحنا إذا لم نتوسع لنفهم وندير تلك التغييرات.
وتتسبب التطورات الجديدة حول العالم ومنها «الذكاء الاصطناعى، والروبوتات، وإنترنت الأشياء، والسيارات ذاتية القيادة، والطباعة ثلاثية الأبعاد، وتكنولوجيا النانو، والتكنولوجيا الحيوية، وعلوم المواد، وتخزين الطاقة، والحوسبة الكمية» فى إعادة تعريف صناعات بأكملها وتشكيلها من الصفر.
وقد أطلقنا على هذه الموجة من الابتكارات فى المنتدى الاقتصادى العالمى «الثورة الصناعية الرابعة» لأنها تغير بشكل جذرى طريقة حياتنا وعملنا وعلاقتنا ببعضنا البعض، وهذه التغيرات نشعر بها فى القاهرة ودبى والرياض كما هى فى نيويورك وفرانكفورت وهونج كونج.
ولن تكون الثورة الصناعية الرابعة أقل تأثيرًا تحويليًا من سابقاتها، وستكون التكنولوجيات الفردية مؤثرة، ولكن التغيرات التى سوف تشهدها أنظمتنا الاجتماعية والاقتصادية ستقوم بالكثير فى تشكيل حياتنا المستقبلية، وفى الوقت الراهن لا يوجد إجماع على قضايا رئيسية مثل ملكية البيانات الشخصية، وأمن البنية التحتية، والمسئوليات والحقوق الجديدة للشركات.
وبالتالى ما نحتاج إليه هو إطار مفاهيمى لمساعدة الشركات، والحكومات، والأشخاص على توقع التغيرات الجذرية التى ستقودها التكنولوجيا فى نماذج الأعمال والأخلاق والقضايا الاجتماعية على المدى البعيد.
ولكى نضمن الرخاء المستقبلى للشرق الأوسط، يتعين على الحكومات والمواطنين التأكد من أن التكنولوجيات الجديدة يتم تصميمها وتكييفها، لكى تقابل الحاجات الاجتماعية الحقيقية وليس التغيير لمجرد التغيير.
وبشكل عام، ينبغى ألا نركز فقط على التقدم التكنولوجى والإنتاجية الاقتصادية، وإنما أيضًا على كيفية تأثير هذه القوى على الأشخاص، والمجتمعات، والبيئة.
ومع تقدم الثورة الصناعية الرابعة، يجب أن تقود 4 مبادئ سياسات المنطقة، أولاً، ينبغى التركيز على الأنظمة وليس التكنولوجيا الفردية، فمن خلال ملاحظة كيف تتفاعل القوى التكنولوجية والاجتماعية والاقتصادية المختلفة مع بعضها البعض، سيتمكن قادة الدول والمواطنين من تحديد وتوقع كيف ستتغير بيئة الأعمال، والمجتمع، والاقتصاد.
ثانيًا، يجب مقاومة وجهة النظر الشائعة بأن التقدم محدد سلفًا، وينبغى تثقيف المجتمعات والأفراد وتمكينهم من إتقان التكنولوجيات التى تخدم أهدافاً إنتاجية حقيقية بدلاً من إتقانها لصالح أهداف أطراف أخرى، لأننا إذا فشلنا فى تسخير التكنولوجيات الجديدة لصالحنا، فسنكون بذلك تخلينا عن استقلالنا الشخصى والجماعى، ما يترك أسبابًا قليلة للتفاؤل.
ثالثًا، ينبغى أن نضع المستقبل نصب أعيننا عند تصميم أنظمة وتكنولوجيات جديدة، بدلاً من القبول الأعمى لأى تغيير يطرأ، وسوف يتطلب إدخال التكنولوجيات التحويلية إلى أنظمتنا الاقتصادية والاجتماعية تعاون وثيق بين المشاركين فى الحكومة والقطاعات الصناعية والمجتمع المدنى، وإلا سوف يحدد مصيرنا ظروف افتراضية لا تخضع لحكمنا الجماعى.
وأخيرًا، لا يجب أن نتعامل مع الاعتبارات الاجتماعية والأخلاقية على أنها شوائب ينبغى أن نتغلب عليها أو نتخطاها، وبالتالى نحن مطالبين بأن تكون القيم المشتركة فى المنطقة سمة أساسية فى جميع التكنولوجيات الجديدة.
ويتعين على الحكومات أن تتدخل بفاعلية فى كيفية تقديم الابتكارات إلى المجتمع، ويجب أن يتعاون الساسة بشكل وثيق مع التكنولوجيين ورواد الأعمال الذين يقودون الثورة الصناعية الرابعة، وإلا سيتخلفون عنها، ويتعين علينا جميعًا، كأفراد، أن نبقى على إطلاع، لكى نفهم ونتفاعل مع القضايا الجديدة التى تنشأ من التفاعل المعقد بين المجتمع والتكنولوجيا.
وسوف تقود الثورة الصناعية الرابعة تغييرات نظامية تتطلب المشاركة التعاونية، وستحتاج دول الشرق الأوسط إلى التفكير فى طرق جديدة للعمل معًا فى المجالين الخاص والعام فى الوقت الذى سوف تسعى للتكيف مع تأثير التكنولوجيات الجديدة.
ونظرًا لأن وتيرة التغيير ستواصل التسارع، ينبغى تعزيز الشفافية حتى يتمكن كل جزء من المجتمع من تقييم مخاطر وفوائد كل تطور جديد.
لقد أصبحنا نعيش فى عصر التعقيد، وأى قيادة حكيمة فى الشرق الأوسط أو العالم ستدعو لتغيير شامل فى كيفية تفكيرنا بشأن المشاركة التعاونية من أجل المستقبل، وإذا كنا نرغب فى تجنب نتائج مروعة قد تتسبب فيها التكنولوجيا، ينبغى علينا أن نتصور بشكل جماعى المستقبل الذى نرغب فى خلقه.
إعداد: رحمة عبدالعزيز
المصدر: موقع بروجكت سينديكيت