من الصعب حقاً أن تجد مكاناً تتفنن فيه الدولة بكافة أجهزتها فى ابتداع وسائل جديدة لمحاربة فئة من المستثمرين العاملين بأحد أهم المجالات الاقتصادية لها، ويعتبر مصدراً رئيسياً لدخلها من العملة الأجنبية وقطاعاً استراتيجياً لدرجة أنه يمس الأمن القومى مباشرة وتركته الحكومة منذ سنوات طويلة – اللهمَّ على سبيل ملكيتها لبعض منشآته دون إدارتها – مما فتح الأبواب على مصراعيها أمام القطاع الخاص ليستحوذ على السوق بشكل شبه كامل ويُدير حتى ما تبقى من مؤسسات مملوكة للدولة.
عن مصر وقطاع السياحة أتحدث.
صحيح أن هناك الخلل الكثير فى فلسفة العمل لدى هؤلاء المستثمرين ورؤيتهم لاستدامته مما يُعمق الأزمات المختلفة منذ حادثة الأقصر عام 1997 عبوراً بتفجيرات طابا ونويبع عام 2004 ووصولاً إلى كارثة الطائرة الروسية عام 2015، إلا أن الدولة تظل المسئولة أولاً وأخيراً عما يتعرض له هذا القطاع الآن ومن قبل ذلك من تهديدات وجودية – ليس مجرد أزمات –. وذلك بعيداً تماماً عن الجوانب الأمنية التى لها المتخصصون فيها ليتحدثوا عنها.
هذا لأن الدولة فى الحقيقة لا تزال تنظر إلى السياحة على أنها «الفرخة التى تبيض ذهباً ولا تحتاج علفاً» ورفضت حتى فى تعنت غير مبرر إعفاءها لمدة سنة أو اثنتين من ضريبة القيمة المُضافة رغم كثرة المطالبة بذلك من أطراف متعددة، وهو ما سيؤثر سلباً على تنافسية القطاع بالسوق العالمى وهو بالفعل يعانى الأمرين مع انحسار الحركة السياحية إلى مصر منذ نوفمبر 2015 بنسب وصلت إلى 80% فى بعض الأحيان.
فليس بجديد السياحة المصرية مستهدفة بشكل دائم على مدار العقدين الأخيرين على الأقل وليس فقط منذ ظهور «داعش» وغيرها من الحركات الإسلامية الأصولية التى طغت على السطح بقوة منذ الربيع العربى وبالرغم من ذلك لم تضع الدولة حتى الآن آلية أو خطة مُحددة لمواجهة الأزمات، بل تتركها تحدث وتتفاقم ثم تبدأ فى التباحث حول سبل التعامل معها. فلا صندوق طوارئ لتعويض العاملين وأصحاب الأعمال وقت الحاجة منعاً لتجريف القطاع من عمالته الماهرة ومن مستثمريه ولا تصورات واضحة لتطوير المدن السياحية الرئيسية كى تكون مقاصد سياحية متكاملة ولا إقدام على وضع ضوابط تمنع حروب الأسعار وتحويل مصر إلى «بلد السياحة الرخيصة» ولا برامج لتأهيل وتدريب العامل السياحى ولا ولا ولا. وهى جميعها إجراءات لا يمكن للقطاع الخاص اتخاذها وتقع مسئوليتها بالكامل على عاتق الدولة بطبيعة الأمر، حتى فى أعتى معاقل الرأسمالية.
وبينما نجد أصواتاً من وزارة السياحة تطالب مستثمرى القطاع الخاص وملاك الفنادق وشركات إدارتها والشركات السياحية ببذل المزيد من الجهد للتخلص من هيمنة أسواق محددة مثل روسيا وأنجلترا وألمانيا على سبيل المثال، نجد أن العاملين بالمكاتب الخارجية لهيئة تنشيط السياحة قد اتخذوا أماكنهم فى مقاعد المتفرجين الوثيرة وكأن الأمر لا يعنيهم فى شىء ولا يوجد حتى طرح مبدئى يتعلق بدراسة أين يمكن أن تكون الأسواق البديلة تلك التى يتحدثون عنها وكيف يُمكن اقتحامها من الأساس.
يجب على الدولة إذن تغيير منهجها جذرياً والتعامل مع القطاع السياحى على أنه شريك وليس البقرة الحلوب ووضع الأطر العلمية اللازمة لتطويره وتنميته تنمية مستدامة من خلال خلق بيئة تشريعية مناسبة أولاً ثم اتخاذ التدابير اللازمة التى تمنع تأثره سلباً لسنوات طويلة كلما تفاجأنا بحادث عارض. فالسياحة أكثر من مجرد أمر نهتم به وقت الأزمات والطوارئ ونعود لإهماله فى لحظة انتهائها ولو لم نستوعب هذا فلن يحتاج الزج بالسياحة إلى حافة الهاوية مستقبلاً إلى طائرات تسقط من السماء ولا إلى مبانٍ يتم تفجيرها.
محمد شيرين الهوارى
الخبير فى الاقتصاد السياسى