دعونا نُنحى جانباً للحظة ما قد يكون بيننا من خلافات حول جدوى الرهان على حركة الاستثمار المدفوعة من القطاع الخاص الأجنبى والمحلى فى النهوض باقتصاد الدولة، مصر أو غيرها، ولنركز أكثر على ما يمكن تحقيقه فى المستقبل المنظور دون أن يكون فى ذلك ما ينتقص جذرياً من معايير العدالة الاجتماعية والمساواة فى الحقوق الاقتصادية.
وأعتقد أن العبء الأكبر فى هذا الصدد سيقع على كاهل الوزيرة سحر نصر التى قبلت فى التعديل الوزارى الأخير، وأعانها الله على ما قبلته، توسيع دائرة مسئولياتها لتشمل بجانب التعاون الدولى شئون الاستثمار، وهى بلا شك الحقيبة الأكثر حساسيةً فى المرحلة الحالية، وتنعقد عليها آمال عدة لما كانت سياسة الدولة بشكل عام تعتمد اعتماداً شبه كلى على زيادة الاستثمارات فى الخروج من المأزق الراهن بديلاً عن التوسع فى إصدار أدوات الدين الحكومية، واللجوء إلى الاقتراض الخارجى؛ للهروب من شبح الإفلاس.
وظنى أن سحر نصر بما تملكه من خبرات واسعة وصلت بها إلى مناصب مرموقة دولياً ومحلياً مؤهلة بما يكفى للنجاح فى مهمتها الصعبة لو وضعت نصب أعينها ما أعتبره بديهياً.
1- تحقيق معادلة تُمكن من جذب المستثمرين دون أن يرتبط ذلك شرطياً بهدر حق الدولة كما نراه اليوم كثيراً فى بيع الأراضى بأسعار بخسة، وتقديم مُحفزات ضريبية تُضيع على الخزانة العامة أموالاً بالمليارات، وتقديم تنازلات تشريعية وإجرائية تحول السوق المصرية إلى مطمع لمستثمرى نظام «اضرب واجرى» غير الجادين دون النظر إلى أى إفادة حقيقية للاقتصاد الوطنى.
2- ضرورة إصدار تشريعات تربط ما بين تقديم التسهيلات للمستثمرين، وضمان أكبر قدر ممكن من فرص العمل ذات الدخل المناسب؛ حتى يكون هناك نوع من رضاء الطبقة العاملة عن أحوالهم المعيشية بحيث تزيد إنتاجيتهم بما يتناسب مع ضرورة زيادة الناتج المحلى الإجمالى، ورفع نسب التصدير لتعظيم موارد النقد الأجنبى. وهذا، أيضاً، لأنه وحتى تكون المكاسب مستدامة لا بد من التركيز على توفير الاستقرار المجتمعى الذى هو عنصر رئيسى فى النجاح الاقتصادى عموماً والاستثمارى خصوصاً، ومن غير المُتصور أن يأتى مستثمر أجنبى إلى مصر أو أن يوسع المحلى عمله بها طيلة ما سادت فى البلاد أوضاع قد تولد الانفجار فى أى لحظة.
3- وضع أولويات واضحة لنوعية المشروعات الاستثمارية التى تستحق دعم الدولة، وبما يخدم خطتها الاقتصادية الشاملة بصرف النظر عن رأينا فيها؛ لأنها وضعت حيز التنفيذ بالفعل وصار نجاحها، على الأقل مرحلياً، مصيرياً للجميع، المعارض قبل المؤيد؛ لأن حتى من لا يتفقون معها لن يختلفوا على أن فشلها سيجلب الدمار الشامل.
4- تحويل أكبر قدر ممكن من المعونات والقروض المُقدمة لمصر إلى استثمارات مباشرة وغير مباشرة لتكون لها صفة الاستدامة، ولكى توفر على الدولة جزءاً من أعباء خدمة الدين التى ستصل العام الجارى فقط إلى 5.8 مليار دولار، وهو ما يشكل ضغطاً كبيراً على الموازنة العامة.
5- العمل على تحسين وتبسيط الخدمات والإجراءات الاستثمارية، بما يضمن جذب مستثمرين جدد، ويُحسن المُناخ الاستثمارى، ويزيد بالتالى من فاعلية الاستثمارات القائمة ويرفع إنتاجيتها، ويخلق فرص عمل جديدة، خاصة أنه لم يعد مقبولاً أن تقبع مصر، وهى تتطلع إلى الدخول فى مصاف الدول الصناعية الحديثة، فى المركز الـ122 من بين 190 دولة فى التقرير الأخير لمؤسسة التمويل الدولية عن ممارسة الأعمال.
6- الحرص على التعاون مع الأجهزة الحكومية الأخرى ومؤسسات المجتمع المدنى فى تأهيل العمالة الماهرة بما يتوافق مع المُخطط الاستثمارى العام، ويستهدف تحديداً نوعيات المشروعات المطروحة فعلياً لمنع عزوف المستثمرين عن القدوم إلى مصر بسبب نقص العمالة المؤهلة أو عدم وجود تخصصات بعينها، وهو ما حدث مع عدة مشاريع من ذى قبل.
أشفق إذن على سحر نصر التى تأتى فى ظل معطيات شائكة وأداء متواضع من سابقيها، ولا توجد لها روشتة نجاح مضمونة، وما مقترحاتى فى هذا الصدد سوى عبارة عن مجموعة من الإرشادات الأولية التى تحتاج إلى المزيد من الجهد فى تفاصيلها وترتيبها لكى تكون قابلة للتطبيق.
محمد شيرين الهوارى
الخبير فى الاقتصاد السياسى