اقتصادنا يا تعبنا.. الحلقة 41..
تجربة كوريا الجنوبية
تعتبر المشروعات الصغيرة والمتوسطة بمثابة جزء لا يتجزأ من الاقتصاد الكوري، ويصل عددها حاليا الى أكثر من 3 ملايين منشأة، ففى عام 2003 مثلا شكلت هذه المشروعات نسبة 99.80% من المجموع الكلى للمشروعات العاملة فى جميع القطاعات الاقتصادية، وتوظف نحو 10.480 مليون عامل من أصل 12.04 مليون عامل، أى نحو 87% من مجموع القوى العاملة فى كوريا، كما مثلت أيضا نحو 99.4% من مجمل المشروعات العاملة فى الصناعة التحويلية، وساهمت بنحو 52.8% من إجمالى القيمة المضافة المتولدة فى هذا القطاع.
فمنذ بداية السبعينيات تحولت الحكومة الكورية من تركيز سياستها على الصناعات الخفيفة كثيفة العمل الى الصناعات الثقيلة والكيماوية، بسبب تآكل حصة كوريا من التصدير نظرا للمنافسة من قبل الدول النامية فى أسواق المنتجات كثيفة العمل. وبما أن تشجيع إقامة الصناعات الثقيلة والكيماوية يتطلب وجود صناعات مساندة متطورة جيدا، أصبح تخلّف الصناعات الصغيرة والمتوسطة بمثابة نقطة اختناق فى مجريات عملية التنمية الصناعية، لذا كثفت الحكومة جهودها منذ أواسط السبعينيات لتشجيع هذه المشروعات التى نمت وتطورت خلال هذه الفترة، بسبب اتساع صفقات التعاقد من الباطن مع الشركات الكبيرة، التى عملت كمورد لهذه الشركات لاحتياجاتها من المكونات والقطع اللازمة للصناعة. وكانت الأجزاء والمكونات الرئيسية ذات الصلة بإنتاج المنتجات النهائية تنتج تحت الرقابة المباشرة من قبل شركات التجميع الكبرى.
وبثت الحكومة الروح الريادية لدى المواطنين وحثتهم على خلق أعمال جديدة، وهيأت البيئات المناسبة والأجواء الملائمة للمشروعات الريادية الجديدة، وتغيرت ايضا سلوكيات النخبة المتعلمة من الشباب. فبعد أن كان يفضل هؤلاء الشباب سابقا العمل فى الشركات الكبرى او القطاعات الحكومية كوظائف دائمة لهم، تغير الوضع اليوم، فقد ازداد بشكل ملحوظ اعداد الشباب الراغبين فى العمل بمشروعات خاصة بهم او فى المشروعات الصغيرة او المتوسطةالواعدة… وساعدت المعدلات المرتفعة للبطالة العمالية وعدم الاستقرار الوظيفى على الإقبال على اعمال الريادة.
كما يعزى زيادة أهمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة (SMEs) فى الاقتصاد الكورى ككل، الى تحول الاقتصاد الكورى نحو الاقتصاد المعتمد على المعرفة Knowledge-based economy، وسياسات الدعم الحكومية لمشروعات التكنولوجيا ذات المخاطرة العالية Venture businesses.
ومن هنا وضعت الحكومة الكورية فى ذلك الوقت مجموعة من الخطط الاقتصادية بدأتها بخطة التنمية الاقتصادية الخمسية الأولى عام (1962)، وكان أهم ما يميز خطط التنمية الكورية فى مطلع الستينيات هو ارتباطها بتنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة حيث قامت بالأتي:
– إنشاء بنك متخصص للصناعات الصغيرة والمتوسطة فى أول أغسطس 1961، لتقديم قروض وتسهيلات ائتمانية بالعملات المحلية والأجنبية، بالإضافة إلى تقديم الخدمات الاستشارية فى الأعمال الإدارية والفنية.
– انشاء هيئة تشجيع الصناعات الصغيرة والمتوسطة Small and Medium Industrial Promotion Corporation فى عام 1978م، وهى منظمة شبه حكومية، تقوم بتشجيع ودعم هذه المشروعات من خلال توفير برامج متنوعة مثل المساعدة المالية، خدمات في الادارة والتسويق والمعلومات، وخدمات التدريب. كما تقوم الهيئة بمساعدة الحكومة فى وضع السياسات الاقتصادية المرتبطة بتنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة، والتى تقوم مهمتها على تحديث وسائل الإنتاج وتقوية الأنشطة التعاونية بين المشروعات الصغيرة والمتوسطة، وإنشاء مدن صناعية، وتوجيه الصناعات الصغيرة والمتوسطة نحو التصدير.
– قامت الحكومة عام 1975م بسن قانون تشجيع التعاقد من الباطن مع هذه المشروعات Small and Medium-sized Enterprises Sub-contracting Promotion Act. فكانت الشركات الكبيرة مطالبة ان تحصل على احتياجاتها من هذه الصناعات وتوريدها من هذه المشروعات، وعدم إنتاجها فى الشركات الكبيرة، حيث اصبحت هذه المشروعات تزود الشركات الكبيرة بنحو 60% من احتياجاتها من الأجزاء والمكونات اللازمة لصناعاتها.
– سنّ قانون تشجيع شراء منتجات المشروعات الصغيرة والمتوسطة – عام 1981م من اجل تأمين التشغيل الدائم لهذه المشروعات، من خلال الشراء الحكومى لمنتجاتها. وفقا لهذا القانون، فإن الحكومة والمنظمات العامة كانت مطالبة بعمل خطة سنوية لزيادة المشتريات من منتجات هذه المشروعات.
– برنامج الدعم المخصص للمشروعات الصغيرة والمتوسطة عام 1983م، والذى يتم بموجبه اختيار 1000 من المشروعات الواعدة كل عام، والتى لديها إمكانيات عالية للنمو والتطوير، وتقدم لها مختلف الحوافز والتسهيلات، وتحاط بمزيد من الرعاية والعناية.. وساهم هذا البرنامج فى النمو السريع لهذه المشروعات بسبب المنافسة فيما بينها، حيث تحرص كل منشأة أن تكون من بين الألف منشأة التى تختار كل عام.
ولعل أكثر السياسات والإجراءات التى أثبتت كفاءة وفاعلية فى دعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة فى كوريا، يمكن ايجازها فيما يلي:
1-برامج تشجيع التصدير Export Promotion Schemes
وضعت الحكومة السياسات واتخذت الإجراءات من اجل تشجيع صادرات هذه المشاريع، وكذلك شركات التصدير. فقد أقيمت مراكز دعم التصدير Export Support Centers، من اجل تسهيل صادرات المشروعات الصغيرة والمتوسطة. كما تم إنشاء الوكالة الكورية لتشجيع التجارة والاستثمار Korea Trade-Investment Promotion Agency (KOTRA). وقد ساهمت هذه الوكالة فى تشجيع الأنشطة التجارية للمشروعات الصغيرة والمتوسطة فى الأسواق الخارجية.
2- تمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة لتطوير تكنولوجيا جديدة:
وطبقا لهذا البرنامج والمسمى «Technology Appraisal and Guarantee Program»، تقوم المؤسسات المتخصصة فى تقييم التكنولوجيا، بتقييم التكنولوجيا التي طورتها المشاريع الصغيرة والمتوسطة، ومن ثم تضمن هذه المؤسسات قيمة هذه التكنولوجيا. بعد ذلك تقوم المؤسسات المالية بمنح القروض لهذه المشاريع، اعتمادا على نتائج التقييم التكنولوجى Technology Assessment..
3- توفير ضمانات التمويل:
تم فى عام 1976م انشاء الصندوق الكورى لضمان القروض Korea Credit Guarantee Fund Credit، لمساعدة المشروعات الصغيرة والمتوسطة التى تعانى من الافتقار الى ضمان للقروض لتمكينها الحصول على راس المال المطلوب للقيام بالمشروع.
4- الحوافز الضريبية:
– إعفاء أو تخفيض ضريبى للمشروعات الصغيرة والمتوسطة الجديدة التى تقام خارج مناطق المدن، وفى المناطق الريفية.
– تخفيض قيمة ضريبة الدخل بنسبة 50% فى نهاية السنة الأولى من اقامة المنشأة، ولمدة 5 سنوات.
ونتيجة لهذه السياسات والإجراءات بلغت نسبة مساهمة المشروعات الصغيرة والمتوسطة فى إجمالى الصادرات الكورية للأعوام 1988-2004م نحو 39.7% سنويا فى المتوسط. كما بلغت قيمة صادرات هذه المشروعات نحو 90.385 مليار دولار عام 2004م، أى بزيادة تعادل 4 أضعاف ما كانت عليه صادراتها عام 1988م.. ومن حيث التوزيع النسبى لصادرات المشروعات الصغيرة والمتوسطة فى عام 2004م، فقد استحوذت الإلكترونيات والمنتجات الكهربائية على نسبة 32.5%، الماكينات ومعدات المواصلات 15.8%، الصناعات النسيجية 14.7%، المنتجات الكيماوية 12.5%، الحديد والفولاذ والمنتجات المعدنية 9.7%، البلاستيك والمطاط والجلود 4.0%، أخرى 10.8%.
ان ذكر التجارب هو للتذكير بأنه يمكننا الاستفادة منها بما يلائم واقعنا ويفتح المجال لأفق اوسع للإصلاح فى هذا المجال..
وما نبغى إلا إصلاحا