أثناء جلسة مجلس الشعب لمناقشة قانون الجمعية التأسيسية للدستور (أمس الأول) والاجتماع المشترك لمجلسى البرلمان الشعب والشورى (أمس) وأنا أشاهد وأستمع لكيف يروج لتقسيم الجمعية على أساس المحاصصة الحزبية وتنتصر النظرة الطائفية للمجتمع وتهمش قطاعات الوطن كلها ويدافع عن استئثار أحزاب الأغلبية بنصف مقاعد الجمعية ويوزع النصف الآخر على باقى الوطن ككل، تذكرت أفكار وعبارات كتاب «السياسة كمهنة» لعالم الاجتماع الألمانى ماكس فيبر الذى طالعته فى سنوات دراسة الدكتوراه بجامعة برلين.
يرى فيبر بكتابه أن السياسة كمهنة، وعلى الرغم من أن هدفها المعلن هو تحقيق الصالح العام بأدوات الحكم والتنظيم وتمثيل القطاعات والمصالح المختلفة بالمجتمع، كثيراً ما تنزلق لتغليب حسابات ضيقة، إن لأفراد أو لمجموعات أو لأحزاب، وتنتج من ثم أزمات متتالية تفقدها الشرعية ورضاء المجتمع عنها. ويذهب عالم الاجتماع الشهير فى كتابه أيضاً إلى أن الساسة، أى طائفة ممارسى هذه المهنة، عادة ما يبررون تغليب المصالح الضيقة باستدعاء شعارات براقة ووعود زائفة تفقدهم تدريجياً المصداقية وترتب شيوع النظرة النمطية لهم كطائفة منفصلة عن المجتمع. وفى مقابل السياسة كمهنة والساسة كطائفة تعتاش على حسابات ضيقة، يطرح فيبر تصوراً للسياسة كمهمة ونداء (Politik als Berufung) يحققان الصالح العام ويوظفان أدوات الحكم والتنظيم والتمثيل للبناء (Gestaltung) وليس فى صراعات وهمية، وتصورا لساسة يتعلمون فى ممارسة ديمقراطية حقيقية تقديم الصالح العام.
ما حدث فى التشكيل الأول للجمعية التأسيسية ويحدث الآن فى التشكيل الثانى وتغليب المحاصصة الحزبية والنظرة الطائفية الرغبة فى الهيمنة وحسابات البعض الضيقة على صالح الوطن العام كلها أمور تعبر بدقة عن السياسة كمهنة والساسة كطائفة منفصلة عن مجتمعها وطموحاته المشروعة. ترى كم سنظل بعيدين عن السياسة كمهمة ونداء وكم سيظل الوطن يدفع ثمناً باهظاً لخطايا الساسة وقصورهم؟
أشعر بغربة شديدة عن السياسة كمهنة، تنقلب فى مصر إلى مهنة وسيرك وألعاب بهلوانية. وأتوق للسياسة كمهمة ونداء فى وطن بات فى أمَس احتياج لمن يحقق صالحه العام
بقلم : عمرو حمزاوى – الوطن