«نعتزم إقراض الشركات فى جميع القطاعات وعدم تركيز التمويلات فى عدد محدود من المشروعات ولا فى القاهرة فقط، وسنبدأ فى المرحلة الأولى بمليار يورو خلال الثمانية عشر شهرا القادمة، وسيتجه التمويل إلى رأس المال العامل وللتوسعات الجديدة سواء بإقامة خطوط انتاج جديدة أو بالاستحواذ على شركات قائمة فى نفس النشاط، عن طريق الاقراض أو الاستثمار فى الشركات بحصص أقلية لا تتعدى 35% من رأس المال، كما سنعمل مع الحكومة على تمويل مشروعات وفقا لأولوياتها القطاعية، خاصة فى البنية التحتية».
هكذا لخص طارق الشربيني، الممثل الرئيسى للبنك الأوروبى لإعادة الإعمار والتنمية، فى حوار مع «البورصة» الاستراتيجية التى يعتزم البنك تنفيذها فى مصر سواء فى تمويل المشروعات الحكومية أو فى التعامل مع القطاع الخاص.
ويعانى السوق المصرى، سواء على مستوى الحكومة أو القطاع الخاص من أزمة تمويلية حادة، منذ الثورة وتصاعدت حدتها مؤخرا، فى ظل عدم الاستقرار الذى عانت منه البلاد لمدة 18 شهراً متصلة وخروج الاستثمارات من مصر والضغط على الاحتياطى من النقد الأجنبى، والمشكلات التى تعانى منها الشركات، سواء على صعيد عملية الانتاج نفسها فى ظل الانفلات الأمنى والاحتجاجات العمالية وقطع الطرق وارتفاع تكلفة النولون والصعوبات فى الحصول على التمويل المناسب، بعد الارتفاعات الكبيرة التى طالت أسعار الفائدة المصرفية.
ويمثل البنك الأوروبى لإعادة الاعمار والتنمية بارقة أمل جديدة فى مصادر التمويل المناسب وطويل الأجل، سواء على المستوى الحكومى أو على صعيد القطاع الخاص، الذى يسعى لاستغلال انخفاض قيم الأصول حاليا فى التوسع والاستحواذ على الشركات القائمة، وكذلك يرغب فى استغلال الطلب المرتفع خاصة فى المواد الغذائية والأساسية والأدوية باقامة خطوط انتاج وطرح منتجات جديدة، غير أن غياب التمويل طويل الأجل والشركاء الأقوياء الذين يؤدى وجودهم فى هياكل الملكية إلى تحسين جاذبية الشركات وخفض تكلفة التمويل نظرا لتحسين نواحى الحوكمة والادارة الرشيدة.
وانتهى البنك الأوروبى لإعادة الاعمار والتنمية من التقييم المبدئى لاستراتيجية العمل فى مصر ويعتزم مناقشتها مع الحكومة المصرية وفقا لاحتياجاتها التمويلية قبل الحصول على موافقة البنك عليها لاعتمادها، لتحديد رؤيته خلال الثمانية عشر شهرا المقبلة، بالنظر إلى التشريعات الحاكمة والقطاعات ذات الأولوية، فيما يعد اتساع السوق المحلى واحتياجاته الكبيرة ميزة نسبية ومن بين أولويات التقييم.
واطلع مسئولو البنك، وفقا لطارق الشربينى، الممثل الرئيسى للبنك فى مصر والأردن، على أولويات الحكومة فى تمويل المشروعات، والتى تنحصر فى انتاج الطاقة، سواء توسيع محطات الكهرباء القائمة أو اقامة أخرى جديدة والاستثمار فى الطاقة المتجددة، فضلا عن قطاع النقل والمواصلات وتحسين قدرات انتاج المياه.
فى الوقت نفسه، يدرس البنك التعامل بشكل موسع مع القطاع الخاص المصري، ويناقش مع عدد كبير من الشركات المحلية توسيع أنشطتها سواء زيادة النشاط الحالى أو تمويل الاستحواذ على شركات أخرى فى نفس المجال، فى قطاعات التصنيع خاصة المياه والصرف الصحى بالشراكة بين القطاعين العام والخاص، وشركات عاملة فى مجالات الأدوية والقطاع الطبى والأغذية والزراعة، كما أعد البنك قائمة مختصرة من صناديق الاستثمار الذى يعتزم الاستثمار فيها خلال المرحلة الأولى لعمله فى مصر.
وغالبا ما يوجه البنك ثلثى التمويلات للقطاع الخاص والثلث فقط للحكومات.
قال طارق الشربينى ان البنك بدأ دراسة السوق المصرى عن كثب عقب موافقة ثلثى الدول الأعضاء على توسيع نشاطه ليشمل الدول الأربع العربية المساهمة فيه، وهى مصر وتونس والمغرب والأردن، بعدما كان تركيزه منصبا منذ تأسيسه على تمويل دول أوروبا الشرقية والاتحاد السوفيتى السابق فقط، وتمت الموافقة على تأسيس صندوق استثمار برأسمال مليار يورو للعمل فى الدول الأربع خلال الثمانية عشر شهرا المقبلة، لتمويل القطاعات التجارية والاقتصادية خاصة الكهرباء والمياه والأغذية والتوزيع والبناء والاتصالات، على أن يتحول البنك اعتبارا من عام 2014 لتمويل الدول الأربع من رأسماله، برصد مليار يورو لمصر و2.5 مليار يورو للدول الأربع سنويا، عقب التعرف على السوق وبناء عدد من المشروعات للحصول على هذه المبالغ.
وبلغ حجم أعمال البنك فى دول أوروبا الشرقية العام الماضى 9 مليارات يورو، توزعت ما بين استثمار واقراض نحو 400 مشروع.
« توزيع المليار يورو بين الدول الأربع العربية سيتم بناء على الطلبات المقدمة من الحكومات والقطاع الخاص وحجم احتياجات كل دولة والمشروعات الموجودة بها، ويركز البنك فى عمله بصفة عامة على تنمية القطاع الخاص وتحسين المناخ الذى يعمل به».. قال الشربيني.
ويمول البنك الأوروبى لإعادة الاعمار والتنمية الشركات إما عن طريق تقديم قروض طويلة الأجل وتمويل مشروعات استثمارية كبناء المصانع والمخازن ومحطات توليد الكهرباء، وقد يكون الاقراض موسميا كما هو الحال فى قطاعات الاغذية والزراعة والتى تجدد
سنويا، أما الطريق الثانى فيتمثل فى الاستثمار المباشر عن طريق زيادة رؤوس أموال الشركات والحصول على حصص فيها.
وفى الاطار السابق، كشف طارق الشربينى عن استراتيجية البنك فى الاستثمار بالشركات، وقال « لا نستهدف الحصول على حصص أغلبية وإنما حصص أقلية لا تتعدى 35% من رأس المال، على أن تكون شركة قائمة ولديها سابقة أعمال جيدة فى مجالها، وأن تتمتع ادارتها بسمعة طيبة وخبرة جيدة فى القطاع الذى تعمل به، وأن يكون أمامها مستقبل واعد وخطط واستراتيجية واضحة للنمو، وأن تتمتع بوضع مالى جيد، حتى يمكن للبنك أن يمول توسعاتها وزيادة طاقتها الانتاجية، كما يستثمر البنك فى المساعدة على اتمام عمليات الاندماج والاستحواذ».
وعلى عكس المتوقع، أكد طارق الشربينى أن الأوروبى لإعادة الاعمار والتنمية يفضل العمل مع الشركات غير المقيدة بالبورصة، فى ضوء سهولة حصول الشركات المقيدة على التمويل عبر أسواق المال، لذلك يتجه البنك للاستثمار المباشر فى الشركات المغلقة ويعمل على مساعدتها فى تحسين وضعها من حيث الحوكمة والادارة.
أضاف « البنك سيمول الشركات العاملة فى مصر سواء كانت محلية أو عربية أو أجنبية طالما التمويل والاستثمار سيتم داخل مصر، وهو منفتح على جميع أحجام الشركات، حيث يمكن أن تبدأ تمويلاته من 500 ألف يورو وقد تصل إلى 200 مليون يورو فى صفقة واحدة، حسب حجم الشركة واحتياجاتها».
فى الوقت نفسه، لدى البنك الأوروبى لاعادة الاعمار والتنمية برنامج خاص لتمويل الشركات الصغيرة من خلال البنوك، عن طريق منحها خطوط ائتمان لهذا الغرض، كما يمكن الاستثمار فى الشركات الصغيرة والمتوسطة عن طريق صناديق الاستثمار المباشر والصناديق
المخصصة لتمويل هذه النوعية من المشروعات، فضلا عن المساعدات الفنية التى يقدمها لهذه المشروعات بالاستعانة باستشاريين عالميين.
ويجرى الأوروبى لإعادة الاعمار والتنمية دراساته الداخلية حول الأنشطة الصناعية والتجارية المهمة بالنسبة للاقتصاد بشكل عام، ويدرس الشركات التى تعمل فى كل قطاع على حدة، وعند الوصول إلى عدد معين من لشركات يبدأ دراسة كيفية استفادتها من تمويلات البنك.
كما يدرس البنك حاليا، وفقا لممثله الرئيسى فى مصر والأردن، مع عدد من الشركات المصرية توسيع أنشطتها سواء عن طريق تأسيس مصانع جديدة أو توسيع نشاطها الحالى أو الاستحواذ على شركات أخرى فى نفس المجال، وتعتزم اتمام هذه العمليات خلال الشهور القليلة القادمة، فى قطاعات التصنيع والمياه والصرف الصحى بالشراكة مع الحكومة PPP، وفى قطاعات الأدوية والقطاع الطبى والأغذية والزراعة، كما يناقش مع 4 من البنوك العامة والخاصة منحها خطوط ائتمان، فضلا عن التفاوض أيضا مع صناديق استثمار مباشر، ويدرس البنك أيضا العرض المقدم من وزارة الاستثمار للاكتتاب فى صندوق « بداية» للمشروعات الصغيرة والمتوسطة.
وبالنسبة للقروض التى يمنحها الأوروبى لإعادة الاعمار والتنمية، أوضح طارق الشربيني، أنها تتم بشكل تجارى حسب مخاطرة المشروع، وإن كان البنك يمنح الجهات المقترضة عدداً من المميزات، من بينها اطالة أجل السداد.
«قروضنا قد تتراوح بين 6 و9 سنوات بالنسبة للمشروعات العادية وتصل إلى 15 سنة فى مشاريع البنية التحتية، بالاضافة إلى فترة سماح طويلة نسبيا تتراوح بين عامين وثلاثة أعوام للمشروعات العادية وقد تصل إلى 4 سنوات فى المشروعات طويلة الأجل، وتختلف فترة الموافقة على منح التمويل وفقا لاجل المشروع وحجمه».. قال الشربيني.
ويناقش البنك حاليا مع المركزى المصرى قيامه بالاقراض بالجنيه فى السوق المحلى، ولايجاد طريقة لتقديم التمويل للمشاريع، ويمكن أن يكون منح القروض تدريجيا خلال 3 إلى 4 سنوات وقد يتم تقديمه موسميا أيضا لتمويل رأس المال العامل وصولا لاستقرار الشركات وبما يساعدها على خفض المخاطر.
وكشف ممثل الأوروبى لإعادة الاعمار والتنمية عن وجود صندوق خاص لتقديم المساعدات الفنية للشركات بالدول العربية، يصل تمويله إلى 65 مليون يورو حاليا، عبر المنح التى تقدمها الدول المساهمة والمساعدات الفنية التى يقدمها عملاء البنك من الشركات العالمية.
ويعكف البنك حاليا على تقديم المساعدات الفنية والتقنية لما يتراوح بين 15 و20 شركة مصرية صغيرة ومتوسطة، ويتراوح أجل البرنامج بين 6 أشهر وسنة.
وبالنسبة لصناديق الاستثمار، أوضح طارق الشربينى أنه تحدث إلى عدد من الصناديق الجديدة، وتم اعداد قائمة مختصرة من صناديق الاستثمار التى يعتزم البنك العمل معها فى الفترة القادمة.
ويستهدف البنك الأوروبى لإعادة الاعمار والتنمية توسيع نطاق استثماراته فى مصر وعدم اقتصارها على القاهرة فقط، وهو الأسلوب الذى يتبعه فى البلدان التى يعمل بها، حيث يستهدف جميع المناطق خاصة تلك التى تعانى من نقص سلعة معينة، وضرب مثالا بالشركات التى يقدم لها المساعدات الفنية حاليا، التى تتوزع على القاهرة والاسكندرية وعدد من المحافظات الأخرى.
على جانب الاستثمارات مع الحكومة، قال طارق الشربينى انه تجرى مناقشة تمويل مشروعات فى مجال الكهرباء سواء بتوسيع محطات كهرباء قائمة أو الاستثمار فى اقامة محطات جديدة، بالاضافة إلى الاستثمار فى الطاقة المتجددة خاصة الرياح والشمسية، فضلا عن قطاع النقل والمواصلات والذى يجرى النقاش حوله للاستثمار فى شراء عدد كبير من الأتوبيسات فى محافظة القاهرة لتخصص للنقل العام.
أما بالنسبة لمحطات المياه والصرف الصحي، يتحدث البنك، وفقا للشربيني، مع شركات المياه والصرف لتحسين قدراتها الانتاجية ورفع كفاءتها.
تأسس البنك الأوروبى لإعادة الاعمار والتنمية عام 1991 عقب انهيار الاتحاد السوفيتى مباشرة، ويبلغ رأسماله حاليا 30 مليار يورو، ويضم هيكل مؤسسيه 63 عضوا، يتوزعون بواقع 61 دولة ومنظمتين دوليتين هما بنك الاستثمار الأوروبى والمفوضية الأوروبية، وتتوزع الدول المؤسسة بين جميع أنحاء العالم، وتمتلك دول الاتحاد الاوروبى بالكامل 60% من أسهمهم وتعد الولايات المتحدة الأمريكية صاحبة أكبر حصة فيه وتبلغ 10% تليها اليابان، ويضم 4 دول عربية هى مصر وتونس والأردن والمغرب، وتبلغ
قيمة حصة مصر 20 مليون يورو.
بدأ طارق الشربينى فى عام 2008 فكرة ومبادرة توسيع نشاط البنك الأوروبى لإعادة الاعمار والتنمية لمصر، وبدأ التعامل مع فايزة أبو النجا وزيرة التعاون الدولى السابقة كممثلة للحكومة فى البنك، وبدأت مناقشات كيفية استفادة مصر من البنك معها.
وطلبت أبو النجا فى عام 2009 من البنك توسيع نشاطه للعمل فى مصر، قبل أن تقدم الوزيرة فى العام التالى طلبا جديدا بنفس المعنى، ما دفع البنك لإعداد لجنة لتقييم السوق المصرى والوقوف على فرص توسعة نشاطه فى البلاد، وبدأت الاجتماعات التحضيرية لهذا الأمر فى عام 2010، لكنها توقفت لفترة قصيرة بسبب ثورات الربيع العربي، التى دفعت البنك فى أعقابها للاسراع فى العمل معها.
بدأ البنك زيارته لمصر فى يونيو 2011 وأجرى مسئولوه مقابلات متتالية مع الحكومات المتتالية والهيئات والعديد من الجهات، وذلك لتحديد الأولويات وهو ما يتم أيضا بالتنسيق مع المؤسسات الدولية الأخرى.
والتقى مسئولو البنك مؤخرا بالدكتور هشام قنديل، رئيس الحكومة ووزراء التخطيط والتعاون الدولى والمالية والكهرباء والمرافق والاستثمار ومحافظ البنك المركزي، وتم اطلاع رئيس الوزراء على تطور اجراءات توسيع عمل البنك ليشمل مصر، وطلبوا منه تحديد المجالات الذى تسعى الحكومة لأن تتوسع فيه.
خاص البورصة