بقلم: بارى اشينجرين
فى الوقت الذى يحذر صندوق النقد والبنك الدوليين من ضعف توقعات النمو العالمي، تستمر البنوك المركزية فى إغراق الاسواق بالسيولة، حيث أطلق الاحتياطى الفيدرالى الامريكى جولته الثالثة من برنامج «التيسير الكمي» الشهر الماضي، وأعلن البنك المركزى الاوروبى عن برنامجه لشراء سندات غير محدودة من دول منطقة اليورو المتعثرة، كما ردت بكين على تباطؤ النمو بخفض بنك الشعب الصينى أسعار الفائدة مرارا وتكرارا وتقليص متطلبات الاحتياطى النقدى بالبنوك.
يبدو غريبا ان ينتابنا القلق فى الوقت الحالى من نقص السيولة العالمية رغم ان هذا الخطر يلوح فى الافق، وان لم نفعل شيئا للتصدى له، سوف تواجه العولمة فى القرن الحادى والعشرين تهديدا كبيرا.
وتحتاج إدارة حركة التجارة العالمية والانظمة المالية توفير كمية كافية من الاصول المتجانسة التى يمكن شراؤها وبيعها بأسعار منخفضة مع قدرتها على الاحتفاظ بقيمتها.
قدمت سندات واذون الخزانة الأمريكية نموذجا لهذه الاصول المتجانسة على مدى نصف قرن، حيث كانت التركيبة الفريدة للآمان والسيولة قاطرة لبرامج تمويل البنوك على الصعيد العالمي.
ويفسر لنا هذا الدور الذى لعبته السندات الامريكية سيطرت الدولار على الجزء الاكبر من احتياطيات النقد الاجنبى، ولماذا تفوقت الورقة الخضراء فى دور الممول لاستقرار التجارة الدولية وهيمنة الولايات المتحدة فى المعاملات التجارية الدولية.
لكن استمرار صعود الاسواق الناشئة، يبرر لنا سبب تراجع نسبة الولايات المتحدة فى اجمالى الناتج المحلى العالمى والحد من قدرتها على توفير الاصول السائلة والآمنة بالقدر المطلوب، وقد قيد انخفاض العائدات التى تجمعها وزارة الخزانة الامريكية من قدراتها على دعم التزاماتها نتيجة اعتماد تلك العائدات على الوزن النسبى للاقتصاد الامريكي.
ومن المتوقع أن يؤدى استمرار تفوق نمو الاسواق الناشئة على نظيرتها الامريكية إلى تباطؤ قدرة وزارة الخزانة فى الولايات المتحدة على توفير الاصول السائلة والآمنة نظرا لزيادة المعاملات التجارية لتلك الاسواق، قد لا تتعرض لخطر التعثر، خاصة أن البنك الفيدرالى الامريكى ـ دائما ـ ما يدعمها بطرح سندات خزانة، ولكن اذا استمر الوضع الحالي، سوف تفقد السندات الامريكية بريقها، واذا لم تحافظ على قيمتها ستنهار ثقة المستثمرين بها.
وفى حال تراجع دور السندات الامريكية كملاذ آمن للمستثمرين، لن تعتبر نموذجا جاذبا للاحتفاظ بها كاحتياطيات دولية ولن تقود مركبة المعاملات التجارية كما هو فى الوقت الحالي.
قد يؤدى نقص السيولة الدولية إلى نهاية العولمة كما نعرفها فى الوقت الراهن وسوف تزداد تكلفة المعاملات الدولية سواء كانت مالية او تجارية فى ظل غياب ما يغرى الحكومات والبنوك المركزية للاحتفاظ بالاحتياطيات التى تحتاجها للتحكم فى الاسواق الدولية.
تعد منطقة اليورو والصين ـ فقط ـ الاقتصادات الكبرى الاخرى التى بامكانها توفير الاصول الآمنة والسائلة، ولكن أوروبا ليست فى وضع يسمح لها ان تلعب مثل هذا الدور ولم تنجح الصين بعد فى تطوير اسواق السندات السائلة، وبعيدا عن كل ذلك، هناك حقيقة متعارف عليها عبر التاريخ وهى ان العملة الاحتياطية هى عملة الدول الديمقراطية، حيث تخضع السلطة التنفيذية فى مثل هذه البلدان للمراقبة مما يضمن للمستثمرين بما فيهم الاجانب مأمناً من المصادرة، وليس واضحا بعد ما اذا كانت الصين باعتبارها دولة ذات حزب واحد ستتمكن من معالجة هذه المشكلة.
اذا لم توفر الحكومات الامريكية أو الاوروبية أو الصينية الاصول الآمنة فمن اين يمكننا الحصول عليها؟ واقترح بعض خبراء الاقتصاد ان المعاملات الدولية من الممكن تمويلها والحفاظ على استقرارها باستخدام اذون خزانة وسندات الشركات عالية الجودة، ولكن التزامات الشركات لن تتمكن من توحيد شكل الديون السيادية.
واقترح اخرون تمكين صندوق النقد الدولى من اصدار سيولة دولية وتفويضه فى إصدار حقوق خاصة لسحب سيولة إضافية والاكثر من ذلك مطالبة الفيدرالى الامريكى بقبول هذه الحقوق مقابل سيولة دولارية، وهذا البديل يستحق الدراسة إلا أن الكونجرس لن يوافق على ذلك ابدا.
الحل الوحيد اذن هو مشاركة الولايات المتحدة والصين واوروبا للاعباء عن طريق وضع تدابير تعزز ثقة المستثمرين فى اصداراتهم السيادية، وفى كل الاحوال فان الحل يكون حلا سياسيا اكثر منه اقتصاديا.
إعداد: نهى مكرم
المصدر: فاينانشيال تايمز