عندما تتجه الدول إلى تأميم مواردها الطبيعية عادة ما يكون هناك توقعات مخيفة من احتمالية فرار المستثمرين وانهيار الاقتصاد وما يمكن ان يؤدى إليه التأميم من إعاقة الابتكار وتقويض قدرة الدولة على الاستثمار، إلا أن النرويج، تلك الدولة الاوروبية الصغيرة، قدمت لنا نموذجاً جيداً على أن تأميم الموارد عندما يتم ادارته بشكل جيد يمكن ان يكون خطوة جيدة فى صالح الدولة.
قامت تلك الدولة الغنية بالبترول بتأميم هذا المورد الطبيعى منذ عام 1972 أى بعد عامين من استكشاف الشركات الاجنبية للبترول قبالة ساحل النرويج، استخدمت البلاد الاموال الناتجة عن مبيعات البترول والتى يتم استثمارها فى اكثر من 8600 شركة حول العالم فى انشاء شبكة واسعة من الرعاية الاجتماعية التى توفر التعليم المجانى والرعاية الصحية ومعاشات التقاعد لجميع المواطنين فى البلاد.
بلغت قيمة صندوق البترول النرويجي، وهو صندوق التقاعد الحكومى بالنرويج الذى يتم به ايداع فائض عائدات دخل النرويج من البترول، 562 مليار دولار، ويقول انجفيلد وولد سترومشيم، مساعد المدير العام بوزارة المالية فى النرويج: يعود صندوق البترول بنفع كبير على الاقتصاد ويتم عرض تفاصيل استخدام عائدات البترول ومدخراته امام المواطنين، وحتى تكون أنشطة الصندوق واضحة امام الجميع، تقوم وزارة المالية بتحديد الخطوط العريضة للاستثمارات التى سيقوم بها الصندوق والخدمات التى سيقدمها.
ويقول اسبين ارلاندسين، مدير الاستثمار بوزارة المالية بالنرويج: ان مواطنى النرويج هم اصحاب هذا الصندوق ويتم تمثيلهم فى البرلمان الذى له الكلمة الاخيرة بشأن ما يحدث للصندوق.
وتقوم النرويج ايضا بتوفير الجزء الاكبر من ارباح صندوق البترول للاستفادة منها فى المستقبل فى حالة نفاد البترول فى البلاد، ويتم تصدير 90% من البترول النرويجى الى الدول الاجنبية، وقد طالبت الاحزاب المعارضة فى البلاد بانفاق المزيد من ارباح مبيعات البترول على المواطنين بدلا من استثمار جزء كبير منها فى الخارج الا ان الحكومة رفضت، ويقول ارلاندسين أن الشغل الشاغل للسلطات النرويجيه ان تعود الثروة والانشطة البترولية باكبر قدر من النفع على المجتمع النرويجى الان وفى المستقبل.
كما قامت الدولة بانشاء مجلس الأخلاقيات لتقديم المشورة للحكومة بشأن الشركات التى يستطيع الصندوق الاستثمار بها ويتم عرض جميع التوصيات الاستثمارية على البرلمان بعد قيام مجلس الاخلاقيات بفحص الشركات التى يعتزم صندوق البترول الاستثمار بها ثم يصدق وزير المالية على الصفقة.
ويرى سترومشيم ان الانضباط المالى هو اساس نجاح عملية التأميم اذ يضمن استمرار الفوائد التى تعود على البلاد جراء ارباح الموارد التى يتم تأميمها وان نقود البترول يتم استخدامها بصورة لا تمثل خطورة على الاقتصاد.