بعد اتجاه البنوك العالمية لتقليص أنشطة التجزئة الإسلامية لديها على المستوى العالمى تستعد البنوك المحلية لتغطية الفراغ الذى ستخلفه هذه الإجراءات.
وقالت وكالة «رويترز» فى تقرير لها إن بنك أبوظبى الوطنى أعلن عن اعتزامه زيادة إسهام الأنشطة المتوافقة مع الشريعة فى أعماله إلى ثلاثة أمثال الحجم الحالى خلال ثمانية أعوام.
وبعد أيام من إعلان «إتش إس بى سى» انسحابه من الأسواق الإسلامية أعلن ميشيل تومالين الرئيس التنفيذى لبنك أبوظبى الوطنى ثانى أكبر بنوك الإمارات من حيث حجم الأصول أن بنكه سيعزز عملياته الإسلامية بإجراءات تشمل طرح خدمات متوافقة مع الشريعة فى مصر وعمان وماليزيا.
وقال البنك خلال افتتاح فرع له فى ماليزيا إنه يسعى للحصول على عشرة فى المئة من دخله التشغيلى من الأنشطة الإسلامية بحلول عام 2020 مقابل ثلاثة فى المئة حاليا.
وتسعى مؤسسات خليجية أخرى للنمو فى القطاع، وقال متحدث باسم بنك شعاع كابيتال الاستثمارى ومقره دبى إن البنك يعتزم زيادة حصته من الأنشطة المتوافقة مع الشريعة عبر نافذة إسلامية بقسم الائتمان التابع له.
وقال تشانج إن من السابق لأوانه التكهن بأن البنوك الغربية قد تسلك نفس الاتجاه بالانسحاب من التمويل الإسلامي.
وأضاف: “الوقت مبكر جدا لإطلاق أى أحكام متسرعة، وقد أنشأت بنوك «إتش إس بى سى» ورويال بنك اوف سكوتلاند وبي.ان.بى (باريبا) ودويتشه وحدات منفصلة لخدمات الهيكلة الإسلامية. هذا (إجراء) يتحدث عن نفسه.”
ويؤكد هذا التباين أن قرار «إتش إس بى سى» الانسحاب من سوق التمويل الإسلامى يعكس أولويات الأعمال لدى البنك البريطانى ولا يعد علامة على ضعف قطاع التمويل الإسلامى، ومع سعى البنك للانسحاب من الصناعة تصبح الفرصة سانحة أمام بنوك محلية للتوسع على مستوى القطاع.
وأعلن «إتش إس بى سى» مطلع الشهر الجارى أنه لن يقدم منتجات إسلامية فى بريطانيا والإمارات والبحرين وبنجلاديش وسنغافورة وموريشيوس واستثنى من ذلك الخدمات الإسلامية لقطاع الشركات.
وقال إنه سيركز أنشطة التمويل الإسلامى على عملائه فى ماليزيا والسعودية مع الاحتفاظ بوجود محدود فى أندونيسيا.
واستطاع البنك أن يصبح أحد رواد الصناعة عبر ذراعه الإسلامية «إتش إس بى سى» أمانة ومقرها دبى، وأصبح أكبر بنك غربى يشغل أنشطة مصرفية إسلامية فكان لخبر انسحابه وقع كبير على القطاع.
وتكهن بعض المحللين بأن القرار يعكس مخاوف البنك من قدرة المصرفية الإسلامية على در الأرباح فى المدى الطويل وربما عدم رضاه عن تكلفة تقديم الخدمات الإسلامية التى تتجاوز نظيرتها التقليدية أحيانا فى بعض المناطق، ولما كانت الصفقات الإسلامية تتطلب نقل ملكية الأصول محل التعاقد أكثر من مرة يتم فرض ضرائب متكررة على الصفقة الواحدة، كما أن شراء خبرة صياغة المعاملات المتوافقة مع الشريعة المعقدة أصل يتكلف كثيرا.
لكن تفاصيل قرار البنك تكشف أنه لن يقترب من الانسحاب من قطاع التمويل الإسلامى وأنه قد يواصل نموه فى بعض جوانب الصناعة، ويقدر البنك أنه سيحتفظ بنحو 83 فى المئة من إيرادات الأنشطة الإسلامية فيما بعد.
وأكد البنك أنه سيحتفظ بأنشطته الإسلامية فى قطاع الشركات وهو قطاع أكثر ربحية من أنشطة التجزئة ويشمل ترتيب إصدارات الصكوك فى السوق الخليجى المنتعش وهو مجال للبنك ريادة فيه.
ويقول الكساندر فون بوك المسئول بشركة ايه. تى كيرنى للاستشارات: «سيكون الأثر على البيئة التنافسية وسوق المصرفية الإسلامية عموما ضعيفا جدا لأن هذه الإغلاقات تخص أسواقا إسلامية صغيرة نسبيا أو بلادا للبنك فيها وجود محدود فى قطاع التجزئة.”
وفى ظل الضغوط المالية بأسواق أوروبا والولايات المتحدة المأزومة وتزايد المتطلبات التنظيمية مع دخول معايير بازل ـ 3 العالمية حيز التطبيق يضطر «إتش إس بى سى» وبنوك غربية أخرى إلى تقليص عملياته فى التمويل الإسلامى والتقليدى على السواء.
وقال متحدث باسم البنك إن القرار المتصل بالذراع الإسلامية جاء بعد مراجعة للاستراتيجية العالمية للبنك أعلنت فى مايو من العام الماضى.. قيمت الأنشطة على أساس توافقها مع الاستراتيجية العالمية للبنك والحاجة إلى توزيع رؤوس الأموال بكفاءة.
وقال جون تشانج، رئيس قطاع التجزئة فى بنك نور الإسلامى ومقره دبى «فى البنوك التقليدية تكون النافذة الإسلامية نشاطا غير رئيسى وبالتالى يمكن للبنوك التخارج منها لإعادة التركيز على الأنشطة الرئيسية».
والحقيقة أن «إتش إس بى سى» قلص أنشطته الإسلامية ببطء أكبر من عملياته التقليدية. فقد تخلص البنك من أصول تقليدية فى أكثر من 26 دولة منها الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية وباكستان.
وقال مدير سابق فى «إتش إس بى سى» امانة طالبا عدم الافصاح عن هويته لأنه غير مصرح له بالحديث للإعلام إن قرار خفض الأنشطة الإسلامية تم تأجيله.
وذكر أنه على المستوى الداخلى استطاعت وحدة البنك القول إنها حققت أرباحاً، لكن الضعف جاء من عدم تناسب حجم أعمالها مع الأنشطة التقليدية الضخمة للبنك. وأضاف “أنشطة التجزئة مربحة لكنها صغيرة جدا.”
ومن المتوقع أن يكون لانسحاب البنك من خدمات التجزئة الإسلامية فى الإمارات ثانى أكبر اقتصاد عربى أثر سلبى كبير على النمو. لكن مصرفيين ومحللين اعتبروا الانسحاب وجيهاً فى ضوء الأوضاع التنظيمية والتمويلية التى تواجه البنوك الغربية.
وقال معين الدين معلم الرئيس التنفيذى لبنك المشرق الإسلامى فى دبى لرويترز “الانسحاب يتركز بشكل أكبر فى قطاع التجزئة. فى الإمارات تحديدا يسمح للبنوك الدولية بتشغيل ثمانية أفرع فحسب. وهذا لا يمنحها ميزة تنافسية أمام البنوك المحلية التى تشغل أكثر من 40 و50 فرعا فى المتوسط.”
وقبل اندلاع الأزمة المالية العالمية عام 2008 كانت البنوك الغربية تتوقع ميزتين من منافسة البنوك المحلية فى الخليج هما انخفاض تكاليف التمويل والقدرة الأكبر على النفاذ إلى أسواق المال الدولية.
لكن سهيل شفيق، نائب رئيس بنك ساراسين-ألبن فى دبى يرى أن الميزتين تبخرتا فيقول «ارتفعت التكاليف على البنوك الأجنبية مع تراجع التصنيفات وفقدت الإيرادات على الأصول الأجنبية بريقها».
ويقول شفيق إنه مع تقليص المؤسسات الغربية أنشطتها تتلهف بنوك خليجية إلى أن تحل محلها.
ويضيف “هناك فرصة جيدة جداً إن استطاعوا تقديم الدقة ومجموعة المنتجات التى توفرها البنوك الأجنبية حاليا يمكنهم اقتناص حصة كبيرة من النشاط. ولم يوضح «إتش إس بى سى» كيف سيتعامل مع عملائه فى البلاد الستة التى أغلق أنشطته الإسلامية فيها ولم يعلن قيمة النشاط.
وقال البنك «سنضمن الاحتفاظ بخدمات الحسابات للعملاء الحاليين بإشراف شرعى مناسب مع التحول إلى ترتيبات بديلة».
وتشير التجربة القطرية إلى أن بعض عملاء «إتش إس بى سى» أمانة فى البلاد المتأثرة بقرار الإغلاق لن يتركوا البنك، وإنما سوف ينتقلون إلى الجانب التقليدى، مما يقلل فرصة حصول البنوك الأخرى على هذه الأموال الوافدة.
وبعدما أصدرت قطر العام الماضى قرارا يمنع المصارف التقليدية من تقديم الخدمات الإسلامية جاء تدفق الودائع على البنوك الإسلامية أصغر من المتوقع واحتفظ كثير من المودعين بوفائهم لبنوكهم الأصلية.
وتشير بعض التقديرات إلى أن ما بين 60 و70 فى المئة من عملاء البنوك يؤسسون اختياراتهم المصرفية على أساس السعر وجودة الخدمة وليس على ما إذا كانت حلالاً أم حراماً وفقاً للشريعة.
خاص البورصة