بقلم: نوح فيلدمان
أكره أن أتفق مع جنرال مصرى حيال أى شىء، ولكن عبد الفتاح السيسى، وزير الدفاع المصرى، كان محقاً عندما حذر مواطنيه على «الفيس بوك» بأن استمرار الاحتجاجات العنيفة فى الشوارع قد يؤدى إلى كارثة.
المواطن المصرى العادى لديه أسباب عديدة حتى يصاب بالاحباط من حكومة الرئيس محمد مرسى التى بالغت فى سلطاتها ولم تحقق النظام على المستوى الذى كان متوقعاً منها، ويجب أن نضع فى اعتبارنا ان المشاركة فى احتجاجات حاشدة بهدف إسقاط ديكتاتور تجعلك ثورياً ديمقراطياً، ولكن استخدام المظاهرات الحاشدة لإسقاط حكومة لا تروق لك منتخبة ديمقراطياً، يجعلك عميلاً للثورة المضادة دون قصد.
مرسى لم يحقق انجازات ملموسة منذ توليه الحكم فى يونيو الماضي، أو للإنصاف، لم يحصل على مهلة كافية ليحكم، فعندما حلف اليمين الدستورية، كان الجيش مستمرا فى محاولاته لحرمان الرئيس من اى سلطة حقيقية، وتفوق مرسى على حيل المجلس العسكرى ولكنه بعد ذلك واجه تهديداً بأن تحل المحكمة الدستورية العليا الجمعية التأسيسة للدستور مما دفعه إلى تحصين قراراته لفترة وجيزة ضد أحكام القانون، ثم تراجع عن هذا الاعلان بمجرد انتهاء التأسيسة من كتابة الدستور سريعا وإجراء الاستفتاء عليه، ولكن قبل ان تستقر الأوضاع وتعود إلى طبيعتها، بدأت احتجاجات الحكم على مجزرة بورسعيد.
كل ذلك يدعو للاعتقاد بأن غالبية المحتجين يقودهم خوف حقيقى من ان يصبح مرسى ديكتاتوراً إسلامياً ويدمر أهم ثورة ديمقراطية بالربيع العربي، وتأكيداً على هذه المخاوف، رد مرسى على المظاهرات المتنامية بإعلان حالة الطوارئ.
يقترف الديمقراطيون خطأ تكتيكياً فادحاً بدفع الاحتجاجات إلى نقطة إضعاف شرعية الحكومة الديمقراطية نفسها، يجب ان تكون الاحتجاجات السلمية دائما مشروعة فى الديمقراطية، الا أن هذه الاحتجاجات لم تكن سلمية بشكل كامل فقد كان هناك هجمات على الفنادق وهدد المحتجين بالقرب من قناة السويس بتعطيل الملاحة هناك.
الأمر الأكثر إثارة للقلق هو الشعور بأن هدف المحتجين هو خلق حالة من الفوضى تجبر مرسى على التنحى، تكراراً لاحتجاجات ميدان التحرير التى أطاحت بحسنى مبارك من منصبه، ومهما كان رأى أحد فى مرسي، فقد تم إنتخابه بموجب انتحابات حرة ونزيهة نسبياً، وفاز حزب الإخوان المسلمين بغالبية المقاعد فى الانتخابات التشريعية، فضلا عن التصديق الشعبى على الدستور، كل ذلك يعطى شرعية ديمقراطية لمرسى وحزبه.
وعندما يحاول المتظاهرون إسقاط حكومة منتخبة لا تروق لهم ولا يثقوا بها، فهم بذلك يتحدون الديمقراطية نفسها سواء اعترفوا بذلك أم لا، حاول محمد البرادعى، أحد قادة المعارضة والحاصل على جائزة نوبل، التخفيف من حدة هذا التفسير عن طريق دعوة مرسى لتشكيل حكومة إنقاذ قومية بدلا من التنحى، هذا يعد عقلانيا إلى حد ما ولكن فى الحقيقة، لا يتعين على الرئيس المنتخب ديمقراطيا تقاسم السلطة لمجرد أن مئات الالاف من المحتجيين غير راغبين فى وجوده، حيث تقوم الديمقراطية على احترام الإجراءات الديمقراطية وليس على الانصياع لمطالب الغوغاء.
والأسوأ من ذلك أن المحتجين يفتحون الباب أمام التدخل العسكري، الشكل الحتمى للثورة المضادة، فلن يكون هناك عذر للانقلاب المضاد أفضل من فشل الحكومة الديمقراطية فى السيطرة على الشارع، ويمكن قراءة تحذير السيسى على أنه إشارة بأن يتقلد الجيش مرة أخرى مهام منقذ الديمقراطية والأمة، فالمرة الماضية، أثبت العسكر انه من الصعب انتزاع السلطة منهم بعد حصولهم عليها، ولكن هذه المرة قد يكونون أكثر ذكاءً وبدلا من محاولتهم التلاعب بنتائج الانتخابات من المرجح الا يسمحوا بحدوثها على الإطلاق.
اذا أراد ديمقراطيى مصر تجنب أن تصبح مصر باكستان أخرى، بحيث لا تكون الديمقراطية أكثر من بضع طلقات من قبل الديكتاتورية العسكرية، فأمامهم طريق واحد فقط وهو ان يأخذوا نفسا عميقا ويعودوا إلى منازلهم ويتيحوا الفرصة أمام الحكومة المنتخبة ديمقراطيا للقيام بمهامها، فقد يكون أداء مرسى وحكومته جيدا أو سيئا، ولكن طالما انهم متحمسون لإعادة انتخابهم فى غضون أربع سنوات، فسوف يضعون بذلك حجر الأساس للتحول الديمقراطى.
وأقول لوطنيى التحرير: قد يكون مرسى لم ينل إعجابكم ولكن هل تقبلوا حقا الجيش بديلا له؟
إعداد: نهى مكرم
المصدر: وكالة بلومبيرج