بقلم: جيدوين راتشمان
يقرر العديد من الرؤساء الأمريكيين خلال فترة ولايتهم الثانية التركيز على الساحة العالمية، ريتشارد نيكسون، على سبيل المثال استهلها بإقامة علاقات أمريكية مع الصين، وكان بيل كلينتون مهووساً بعملية السلام فى الشرق الأوسط خلال فترة حكمه الثانية، وانغمس جورج بوش فى حروبه داخل الشرق الاوسط.
ولكن يبدو ان باراك أوباما ينتوى كسر هذه القاعدة، ففى خطاب تنصيبه الثاني، لم يتحدث الرئيس كثيراً عن العالم الخارجى، ومن الواضح انه يريد ان يكون ارثه محليا حيث تكمن اولوياته فى السيطرة على حيازة الاسلحة واصلاح قوانين الهجرة والتوازن المالى والانتعاش الاقتصادي.
على صعيد الشئون الخارجية، يبدو ان الهدف الاكبر لأوباما ان يكون الرئيس الذى اعاد الجنود الامريكيين إلى وطنهم، حيث اعلن بكل حزم ان «عقدا من الحروب اوشك على نهايته»، فقد اسدل اوباما الستار على الصراع داخل العراق خلال فترة ولايته الاولي، ويخطط للانسحاب من افغانستان فى الثانية.
قد تكون الآثار المترتبة على قلة التدخلات الامريكية فى الشئون الخارجية وخيمة بالنسبة لبقية دول العالم، فمن المفارقة ان زعماء اوروبا، الذين تذمروا كثيرا من النشاط الامريكى خلال فترة ولاية بوش، ينتابهم حاليا القلق حيال وقوف الولايات المتحدة على الهامش واتاحة الفرصة للمشاكل بان تتفاقم.
وتعد سوريا مثالا صريحا على هذا النهج الذى تتبعه واشنطن حاليا، فتردد امريكا للتدخل العسكرى فى دمشق واضح جدا، ودون دعم الولايات المتحدة، لن تجازف بالتأكيد اوروبا الجريحة بالتدخل.
الا ان الموقف آخذ فى التدهور بشكل سريع، على الجانبين الاستراتيجى والانساني، فهناك الان اكثر من 60 ألف قتيل، والقوات الجهادية تكتسب ارضا بين القوات المعارضة للرئيس بشار الأسد، فضلا عن الحقيقة المخزية بان قطر الضئيلة تبذل جهودا اكثر من الولايات المتحدة وحلف الناتو من اجل حل القضية السورية.
اذا لم يكن الغرب قادرا على استعادة النظام فــى خضم الفوضي، سوف تظهر قوى اخــرى سواء كانـوا الجهاديين فى مالى أو حركة طالبان فى افغانستان.
يروق لأمريكا قيادة القوى الاوروبية للعملية العسكرية فى مالي، ولكن الولايات المتحدة لم تمد فرنسا باى دعم عسكري، واذا وقعت فرنسا فى مشكلة سوف يتردد الامريكيون حيال نشر قواتهم لمؤازرتها.
لقد بات واضحا ان ميزانية البنتاجون سوف تتراجع خلال الفترة الثانية من ولاية اوباما، وسوف تسعى واشنطن للحد من ارتباطاتها الخارجية بدلا من التوسع فيها، ونتيجة لذلك يواجه اوباما اتهامات بانه يخطط لفقدان امريكا مكانتها العالمية، ولكنه يمتلك اجابه قوية على هذا الاتهام ألا وهى ان القوة الامريكية تنبع من قوة اقتصادها المحلي، بالاضافة إلى ذلك، فقد سئم الشعب الامريكى من الحروب الخارجية ويريد من الرئيس ان يحسن مستوى معيشتهم بالداخل.
تكمن مشكلة طموح اوباما فى التركيز على الاصلاح الاجتماعى والاقتصادى للبلاد فى انه قد يكون غير واقعي، فكان من الممكن ان تكون مناسبة إذا كان من المتوقع ان يهدأ العالم لبعض الوقت، ولكن الازمات الدولية تتفاقم حتى ان ادارة اوباما الحذرة من عدم التدخل فى تلك الازمات قد تنغمس فيها لا محالة.
فقد كان الشرق الاوسط على مدار السنوات الأخيرة مصدر هذه الازمات ولكن قد تكون اخطر ازمة الآن فى شرق آسيا حيث يأخذ الحديث عن نشوب حرب بين الصين واليابان حيال منازعاتهم الاقليمية منعطفاً خطيراً، وكانت قد اعلنت الولايات المتحدة ان اى هجوم صينى على الجزر يضمن لليابان الدفاع الامريكي.
يتعين على الرئيس اوباما ان يتذكر احد أبطاله، فرانكلين روزفلت، الذى كان قد انتخب ايضا لانقاذ الاقتصاد الامريكى فى احد اوقات الأزمات، وقضى السنوات الاولى من فترته الرئاسية محققا اصلاحات اقتصادية عظيمة، ولكن انتهى به الأمر كرئيس لفترة الحرب، وهذا قد يحدث أيضاً مع أوباما.
إعداد: نهى مكرم
المصدر: فاينانشيال تايمز