بقلم: محمد العريان
كانت الأسواق مزدهرة كما كان متوقعاً خلال الربع الأول من هذا العام، وتؤكد غالبية البيانات الاقتصادية أنه بعد الصدمة الناجمة عن الأزمة المالية العالمية يتعافي اقتصاد الولايات المتحدة بشكل متسارع.
وتعد عملية التعافي واضحة أيضاً في أوروبا إلا أنها مع الأسف اقتصرت في الواقع علي أسواق السندات السيادية ، وظل الاقتصاد الحقيقي تحت ضغط كبير في العديد من الدول الأوروبية، نظراً لانكماش الاقتصادات وبقاء البطالة عند مستويات مرتفعة تنذر بالقلق.
واستمدت الأسواق قوتها من البنوك المركزية التي تعد أوفي صديق لأسواق المجازفة، ولم يكن هذا راجعاً إلي رغبة هذه البنوك في أن تلعب هذا الدور، بل لأن ارتفاع أسعار الأصول يشكل ضرورة أساسية إذا كان للبنوك المركزية أن تحظي بأي فرصة لتحقيق النتائج الاقتصادية المرجوة والمتمثلة في ارتفاع معدلات النمو وتعزيز خلق فرص العمل.
وكان هذا أشد وضوحاً في الولايات المتحدة، حيث تعشق الأسواق الرهان الثلاثي للاحتياطي الفيدرالي علي أسعار الفائدة التي تقترب من الصفر والطابع الهجومي لتوجهات السياسات، والمشتريات من الأصول وكل هذا من شأنه أن يدفع المستثمرين إلي خوض المزيد من المجازفة، كما ترحب الأسواق بحقيقة أن تجربة البنك الفيدرالي دفعت البنوك المركزية حول العالم إلي اتباع سياسات أكثر توسعاً.
ولكن البنوك المركزية أصبحت غير قادرة علي تجاهل تأثير السيولة العالمية الذي خلفته سياسات بنك الاحتياطي الفيدرالي، إلا أنها لا تزال تفتقر إلي الأدوات السياسية الصحيحة اللازمة لمعالجة هذا التأثير.
كما أن هذا المزيج الذي يتألف من التعافي الأصلي والرياح المواتية القوية التي تهب من البنوك المركزية، بما في ذلك تعهد البنك المركزي الأوروبي «بالقيام بكل ما يلزم» ساعد الأسواق في نفض غبار الشكوك السياسية المزعجة عن نفسها وسواء كان ذلك راجعاً إلي الاستقطاب الذي أدي إلي الشلل السياسي في الكونجرس الأمريكي أو التصويت الاحتجاجي في إيطاليا ضد النظام السياسي الراسخ فإن الساسة منحوا الآن الوقت اللازم للتغلب علي الخلل الذي يتسم به أداؤهم، وبالتالي تقليص أي تأثير تخريبي فوري، ومن الطبيعي أن يفسر المستثمرون كل هذا باعتباره ضوءاً أخضر لخوض المزيد من المجازفة.
يقلق المستثمرون حيال العواقب طويلة الأمد للخلل السياسي، خشية عاماً آخر من الانكماش الاقتصادي الأوروبي وارتفاع معدلات البطالة وسياسات غير مسبوقة، وبالتالي غير مجربة تتبعها البنوك المركزية والتوترات العالمية المتزايدة.
إن هذا المزيج من الإثارة والقلق هو في واقع الأمر مؤشر علي مفترق الطرق الذي يواجه المستثمرين وتنطوي أحد الطرق علي انتقال منظم نسبياً من التعافي بمساعدة سياسات النمو المدعومة ذاتياً، مما يقدم احتمالية تحقيق مكاسب مالية كبيرة، حيث تسهم الظروف الاقتصادية حالياً لأسعار الأسهم وتدفعها إلي الارتفاع.
أما الطريق الآخر، فهو أقل جاذبية إلي حد كبير، حيث تؤدي عملية التعافي الذاتي غير المكتملة وتفاقم الخلل السياسي إلي خسائر مالية وتقلبات حادة وتحديات ضخمة في إدارة المخاطر.
في ظل هذه الظروف قد لا يكون عامل الوقت هو كل شيء ولكنه قد يثبت أنه عامل رئيسي في تحديد المسار سواء كان الطريق الأول أوالثاني.
مما لا شك فيه أن الأسواق صارت تعتمد اليوم بشكل كبير علي القول المأثور القديم «الزمن يداوي كل جراح» وتتولي البنوك المركزية عملية ضبط الوقت ومراقبته، ولكن قدرتها علي التحكم في عقارب الساعة ليست كاملة، وسوف تفقد فاعلياتها بشكل متزايد إذا واجه التحسن الاقتصادي مزيداً من العوائق السياسية في الأشهر المقبلة.
المصدر ـ بروجيكت سينديكيت