عندما تستمع إلي حديث القادة الأوروبيين خصوصاً في فرنسا سوف تعتقد أن عصر التقشف انتهي ومنطقة اليورو تتجه نحو استعادة النمو الاقتصادي بكامل نشاطها.
لكن حديث رئيس المفوضية الأوروبية ، جوزيه مانويل باروسو، الشهر الماضي، كان مختلفا، حيث قال: إن التقشف الذي يمثل جهود الحكومات لخفض الدين العام عن طريق تقليص الانفاق العام وزيادة الضرائب بلغ الحد الاقصي، الذي يمكن للشعوب ان تقبل به.
وتشير وكالة الأنباء رويترز في تقرير اعدته في هذا الصدد إلي أن الواقع يقول إن التحول يظهر الكلام فقط لكن الافعال لم تعبر اطلاقا عن رغبة حقيقية في تغيير السياسات الحكومية الحالية ازاء الازمات الاقتصادية.
والدليل علي ذلك أن المفوضية الأوروبية منحت الدول الأوروبية المتعثرة المهلة تلو الأخري لخفض عجز الموازنة للحدود المسموح بها وفقا لقواعد الاتحاد الأوروبي بسبب أن الركود الاقتصادي جعل هذه النسبة المقدرة بـ 3% كحد اقصي أمرا غير واقعي.
والتقطت دول منطقة اليورو أنفاسها، لأن أسواق السندت التي سيطر عليها الرعب استعادت الهدوء عقب اعلان البنك المركزي الأوروبي عزمه التدخل بشكل حاسم لحماية اليورو اذا تطلب الأمر ذلك.
ويؤكد الاتحاد الأوروبي حالياً ضرورة تحقيق خفض في العجوزات الهيكلية وهو اجراء يتسم بالمرونة للأخذ في الاعتبار الدورات الاقتصادية الطبيعية عند اتخاذ القرارات، كما يطالب الاتحاد باصلاحات جادة لسوق العمل وانظمة المعاشات وفتح قطاعات أخري للمنافسة وتخفيف قيود الرقابة علي الشركات لتحسين النمو المحتمل للدول.
وشدد تقرير وكالة رويترز العالمية علي ضرورة تشجيع المبادرات الصغيرة في اطلاق الشركات والأعمال، وسط هذا الضجيج السياسي الكبير، لمكافحة آفة البطالة المرتفعة بين الشباب، التي تهدد دول جنوب أوروبا بخلق جيل ضائع ومنبوذ.
وبدأ بالفعل البنك المركزي في بحث كيفية زيادة القروش المتاحة للشركات الصغيرة في الدول الطرفية الأكثر تضرراً في منطقة العملة الموحدة اليورو، لكن في الوقت نفسه لم يفكر المسئولون في البنك الأوروبي في اتباع نفس مسار الولايات المتحدة وبريطانيا واليابان، حيث لجأت بنوكهم المركزية إلي طباعة النقود لتحفيز النمو الاقتصادي.
قال كريستين برزيسكي، خبير الاقتصاد في آي إن جي، إنه لا يكفي أن تضع الحكومات خطط تقشف ثم يتركونها تعمل لوحدها، بل لابد أن تجري اصلاحات هيكلية بالتوازي معها، لكي تعالج ثغرات الاقتصاد المترهل، وهو أمر يحتاج إلي اعادة ضبط مسار هذه الاصلاحات، لتجنب أي تراجع ناجم عن هذا التقشف والاجراءات المرتبطة به خصوصا خفض الانفاق العام.
وأضاف أنه في الوقت الذي يمكن للبنك المركزي الأوروبي أن يبذل مزيدا من الجهد من اجل توفير التمويل للشركات في المناطق المتضررة من الازمة الاقتصادية في جنوب أوروبا، فإن المنطقة تعاني من ضعف تدفق الاستثمارات بسبب ضعف الطلب، وهي مسألة تحتاج إلي جهد كبير لمعالجتها.
ويري صانعو القرار في بنوك أوروبا المركزية أن الدول مرتفعة الديون لم يكن أمامها بديل طول السنوات المقبلة سوي خفض الانفاق العام وتقليص حجم الجهاز الحكومي، وهو أمر بغيض من الناحية السياسية أيضا.
هذا وقد أشار رئيس المفوضية الأوروبية، في خطاب له مؤخرا، إلي معاناة الاتحاد الأوروبي من جمود قواعد الميزانية الأوروبية، مشيراً إلي وصف رئيس المفوضية الأوروبية رومانو برودو في 2002 لها بالقواعد الغبية بسبب تعقيداتها الشديدة وافتقادها المرونة.
وأشار باروسو إلي خطأ الاعتقاد بأن وضع خطة تقشف جيدة أمر يكفي، بل يجب أن تتمتع هذه الخطة بالقدر المناسب من الدعم السياسي والاجتماعي لضمان نجاح تحقيق الهدف الاستراتيجي بخفض العجز في الموازنة.