اردوغان ومرسي يعاملان اتباعهما – الذين لا يشكلون الاغلبية المطلقة بالبلاد- كما لو أنهم هم فقط الشعب
الحكام والمعارضة عادة ما يرون التسوية وكأنها خيانة للمصلحة الوطنية
لقد تمت إساءة استخدام مبادئ الديمقراطية من قبل القادة الذين من المفترض أن يكونوا ديمقراطيين، فقد استخدم رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان شرطة مكافحة الشغب لمسح ميدان التقسيم باسطنبول من المتظاهرين السلميين الذين وصفهم «ببضعة لصوص» و«بضعة متشردين»، وفي مصر، مرر مجلس الشوري قانوناً يقيد عمل المنظمات غير الحكومية والذي أكدت جماعات المجتمع المدني ان هذا القانون بمثابة حجر الأساس للدولة البوليسية الجديدة من قبل الرئيس المنتخب ديمقراطياً محمد مرسي.
ما يبدو مشتركا بين الأحداث التي تجري في تركيا ومصر هو نوع خاص من الشذوذ الديمقراطي أو السلطوية الانتخابية، فكل من اردوغان ومرسي يعاملان اتباعهما – الذين لا يشكلون الاغلبية المطلقة بالبلاد- كما لو أنهم هم فقط الشعب الذي يحكم باسمه، في حين يعاملان معارضيهما كأعداء ومتشردين ولا يحملون صفة مواطنين يؤمنون بأفكار اجنبية أو ينتمون لجهات راعية اجنبية.
اردوغان ومرسي ليسا القائدين الوحيدين اللذين ينتهجان الشذوذ الديمقراطي، فقد أقام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ديكتاتوريته استناداً إلي قاعدته الانتخابية القومية وهكذا فعل هوجو شافيز، رئيس فنزويلا، قبل وفاته، ولكن الفرق ان احدا لم يصف روسيا أو فنزويلا بأنهما دولتان ديمقراطيتان بخلاف مصر وتركيا لذا فإن الاضطرابات التي تشهدها هاتان الدولتان تهدد شيئا ثمينا.
لم يصل أردوغان أو مرسي إلي حد إقامة دولة ديكتاتورية علي غرار بوتين وشافيز، الا أن مرسي قد اقترب من ذلك عندما أصدر الاعلان الدستوري في نوفمبر الماضي ليحصن قراراته من القضاء وبالتالي جمع مؤقتاً السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية بين يديه وقد اضطر إلي التراجع عنه في الشهر التالي، ويبدو ان كلا الرجلين أصبحا علي قناعة تامة بأن كل منهما يجسد وبمفرده إرادة الشعب كله.
إن أردوغان ومرسي وشافيز وبوتين مصابون جميعهم بجنون العظمة حيث إنهم لايستطيعون التمييز بين إرادة الشعب وإرادتهم الخاصة ولكن هذا هو مرض الديمقراطيات الناشئة ايضا حيث تكون المخاطر عالية لدرجة أن الحكام والمعارضة عادة ما يرون التسوية وكأنها خيانة للمصلحة الوطنية.
عندما تنبثق الديمقراطيات من سلسلة من المساومات بين الإصلاحيين والنخبة الحاكمة، كما حدث في اوروبا الشرقية بعد انهيار حائط برلين، فإن الجميع يحصلون علي فرصة لتعلم فنون التسوية، ولكن عندما لا يوجد مفر من الاستيلاء علي السلطة من خلال حركة ثورية كما في مصر وغيرها من بلدان العالم العربي، فإن الشخص الحاكم يعلم أن الفائز يأخذ كل شيء فكيف سيتعلم القادة اذن تمثيل الشعب كله وليس فقط الفصيل الذي انتخبه؟.
إنهم لن يتعلموا الا أنه بإمكان الناخبين أن يلقنوهم درساً، ولكن ذلك يتطلب وجود معارضة هادفة وم تحدة وهذا ابعد ما يكون عليه حزب الشعب الجمهوري التركي الموالي لأتاتورك أو المعارضة المنقسمة بشدة ضد حكم الإخوان المسلمين في مصر، انه ليس فقط الحزب الحاكم الذي يمّكن السلطوية الانتخابية بل ايضا الثقافة السياسية للديمقراطيات الحديثة.
من المستحيل تخيل سيناريو في مصر بحيث يتولي الجيش القيادة مرة اخري بعد صراع دائم بين مرسي والمعارضة واثارة القضاء لمزيد من الفوضي والعنف وازدياد الركود الاقتصادي وتفشل الديمقراطية ويعود الوضع كما كان في السابق مثل باكستان، ولكن هذا ليس السيناريو الأكثر ترجيحاً في مصر وبالتأكيد ليس في تركيا، فلن يقبل المواطنون العودة إلي النظام الاستبدادي.
تكمن المشكلة الحقيقية في أن الديمقراطيات التي لن تستجيب للمطالب ستثير مزيدا من الاحتجاجات والتي من شأنها أن تثير المزيد من ردود الفعل، وفي العالم العربي يبدو ان تونس هي الدولة الوحيدة التي تسد الفجوة بين الجماعات لتشكيل نظام جديد فعال في حين ان ليبيا ومصر علي مشارف اشكال مختلفة من الخلل الديمقراطي، فهذه الدول تحتاج إلي وقت لتعلم عادات ديمقراطية جديدة ووضع قواعد افضل، فتغيير النظام هو المنشط للديمقراطية ونأمل أن ينجح كل من مرسي واردوغان في إثبات أنهما ليسا بوتين وشافيز.
بقلم: جايمس تروب
المصدر: فورين بوليسي