الدول الأوروبية تتبرأ من الحد الأدني لعجز الموازنة المقدس!
عندما اكتسحت الأزمة المالية أوروبا منذ أربع سنوات، أيدت الدول ذات التصنيف الائتماني «تريبل A» الإجراءات التقشفية موضع الجدال باعتبارها الحل للويلات التي تعاني منها القارة لكنها لم تأخذ في الحسبان الركود العميق ومخاطره.
ورغم التقشف استمرت الأزمة، ومعدل البطالة آخذ في الارتفاع، ولا يزال النمو متعثراً، لذا ظهرت علامات علي أن الصقور المالية الأصغر في أوروبا مثل هولندا والنمسا وفنلندا بدأت في السأم من الإجراءات التقشفية.
وبدأت المعركة ضد التقشف في هولندا، عندما اتخذ قيادي الحزبين يمين الوسط الليبرالي وشمال الوسط العمالي في الحكومة الائتلافية خطوة للوراء فيما يتعلق بالتزامهم بالتقشف.
وعلل ذلك الحزبين خطوتهما بأنه إذا لم تنجح تخفيضاتهما الأخيرة في تحقيق الحد الأقصي لعجز الموازنة الذي حدده الاتحاد الأوروبي عند 3% من الناتج المحلي الإجمالي وكان الساسة الأوروبيون يضفون عليه صفة القداسة خصوصا مع تناخر وصول تداعيات الازمة المالية إلي بلدانهم، فإنهم سوف يتوقفون عن محاولة الوصول لتلك النسبة هذا العام.
وقال ديدريك سامسوم، قائد الحزب العمالي، إن نسبة 3% ليست مقدسة بالنسبة إلينا ولن نتمسك بها.
وبالفعل نفذت الحكومة الهولندية إجراءات تقشف بقيمة عشرات المليارات، ولكن مع انكماش الاقتصاد بنسبة 1.8% العام الماضي، لذا لاقت اقتراحات الحكومة المزيد من إجراءات التقشف بقيمة 6 مليارات يورو في 2014 مقاومة شديدة.
ووقعت حكومة هولندا ما يعرف بـ «الميثاق الاجتماعي» بشأن إجراءات التقشف في أبريل الماضي مع النقابات العمالية وجماعات الضغط من أجل الأعمال، ثم بعد ذلك انقلبت الأطراف الأخري ضد المزيد من التخفيضات في الموازنة أو زيادات في الضرائب.
وفي هذه الأثناء، ارتفع معدل البطالة ليصل إلي 6.6%، بيما تراجعت قيمة المنازل وانخفض الإنفاق الأسري، واقتربت ثقة المستهلك من حدها الأدني، ووصل عدد الشركات المفلسة إلي أعلي مستوي علي الإطلاق في مايو.
وينصب معظم الغضب علي نفس قواعد الموازنة التي دعت هولندا وحلفائها من ذوي تصنيف «تريبل A» بشدة إلي تطبيقها في منطقة اليورو منذ عامان.
وتساءل سيبراند فان هيرسما – بوما، رئيس حزب الديمقراطيين المسيحيين، لماذا نخفض 6 مليارات يورو من ميزانياتنا لمجرد ان بروكسل قالت إن علينا ذلك.
وفي النمسا، أحد اغني الاقتصادات في منطقة اليورو، تحجرك الساسة نحو حزمة تحفيز متواضعة بعدما أفلست شركة «ألباين» للإنشاءات فيما يعد أكبر إفلاس في الدولة منذ الحرب العالمية الثانية.
ومع ذلك، يعتقد الاقتصاديون أن هذه الحزمة التي تعادل 0.5% من الناتج المحلي لن يكون لها تأثير قوي علي النمو الاقتصادي، بينما أكدت الحكومة أنها حريصة علي ألا تتسبب الحزمة في ديون جديدة.
وقالت ماريا فيكتر، وزيرة المالية بالنمسا، إن هذه الحزمة جاءت في وقتها المناسب، وهي ليست دقيقة للغاية فحسب وإنما يمكن تمويلها ضمن حدود الموازنة، كما أنها لن تمس هدف الدولة بمحو عجز الموازنة بحلول 2016.
بينما أصبح اداء اقتصاد فنلندا، أحد المدافعين المتحمسين للتقشف، أسوأ أداء بين الدول ذات التصنيف «تريبل A»، حيث تعاني الدولة من ثالث ركود علي التوالي منذ الأزمة المالية العالمية، وانخفض الناتج المحلي الإجمالي لها في الربع الأول من هذا العام بمقدار 32% أقل من نفس الفترة العام الماضي، وفي نفس الوقت، ارتفعت البطالة لأعلي مستوي لها منذ 4 سنوات في مايو ووصلت إلي 10.8%.
ولكن بالنظر إلي الجوانب الأخري مازالت الدولة ذات وضع جيدا، فنسبة الدين إلي الناتج المحلي الإجمالي تقف عند 53% ويبلغ عجز موازنتها 1.9% فقط.
كما توقع البنك المركزي الفنلندي أن ترتفع نسبة الدين إلي الناتج المحلي الإجمالي إلي 62% بحلول 2015، مما دفع رئيس الوزراء، جيركي كاتاينين، إلي الإعلان عن مزيد من الإجراءات التقشفية في موازنة العام القادم، إذا لم يحرز أي تقدم يتعلق بالديون.
ويذكر تقرير لجريدة الفاينانيشيال تايمز أن التأييد السياسي لإجراءات التقشف بدأ في التضاؤل، حيث قال وزير العمل الفنلندي لوري إيهالاينن، إنه في ضوء هذه الأرقام الاقتصادية، يبدو أنه علي الحكومات تحسين معدل العمالة وتقديم حزم تحفيزية.