يؤكد قرار تركيا الذى اتخذته بين عشية وضحاها برفع أسعار الإقراض لأول مرة منذ ما يقرب من عامين على المعضلة التى تواجهها الاقتصادات الناشئة وهى التركيز على التضخم أم النمو؟ وذلك مع اقتراب تخفيف القيود على السياسة النقدية فى الولايات المتحدة من نهايتها.
يبدو أن رجب طيب اردوغان، رئيس الوزراء التركي، حتى هذا الأسبوع، ركز على تعزيز النمو قبيل الانتخابات المقرر انعقادها فى العامين المقبلين، سعياً لاحتواء الضغوط التضخمية الناجمة عن انخاض قيمة الليرة التى تراجعت إلى ادنى مستوياتها هذا الشهر من خلال التدخل فى سوق العملات.
حتى أنه ألقى باللوم على الاحتجاجات الاخيرة فى البلاد على ما أسماه» لوبى سعر الفائدة» التى قال المحللون أنها قد تكون سببا فى منع البنك المركزى من رفع أسعار الفائدة فى وقت سابق رغم استقلالها المفترض.
وعلى الرغم من أن إنفاق 6.65 مليار دولار هذا العام للمساهمة فى تعزيز قيمة الليرة لم يكن كافيا لمعالجة تراجع ثقة السوق فى البلاد ولاسيما بعد شهرين من الاحتجاجات، رفع البنك المركزى يوم الثلاثاء الماضى سعر الإقراض 75 نقطة أساس لتبلغ 7.25% وذلك تماشيا مع متوسط تقديرات خبراء الاقتصاد، وقد ارتفعت الليرة بعد الاعلان عن رفع سعر الإقراض بنسبة اقل من 0.1% لتصل إلى 1.9109 مقابل الدولار.
برر البنك المركزى تلك الخطوة قائلا إن هذا القرار جاء نتيجة ارتفاع الأسعار فى الآونة الأخيرة وضعف تدفقات رأس المال منذ شهر مايو الماضى حيث أدت خطة الاحتياطى الفيدرالى الامريكى لتخفيف وتيرة التيسير النقدى إلى اضطراب الأسواق.
منذ اندلاع الأزمة المالية، أدت سياسة التيسير الكمى إلى اندفاع رؤوس الأموال إلى الاسواق الناشئة مما اتاح لهم تيسير السياسة النقدية وأعطى دفعة قوية للاقتراض والنمو، واثار الاعلان عن تخفيف التيسير الكمى احتمالات اضطرار البنوك المركزية فى الأسواق الناشئة إلى تشديد سياستهم النقدية ردا على ذلك، الا أن الاسواق الناشئة لا تواجه جميعها نفس المشاكل، فتركيا لديها عجز كبير فى الحساب الجاري، وتشترك فى ذلك مع العديد من البلدان الاخرى مثل الهند، الامر الذى جعل من قوة عملتها قضية حرجة، فاذا انسحب المستثمرون الاجانب كنتيجة لتخفيف التيسير الكمى واستمرت حالة عدم اليقين السياسي، فإن قيمة الليرة ستواصل ضعفها وسيزداد العجز فى الحساب الجاري.
لذلك اضطرت تركيا إلى رفع أسعار الفائدة بالرغم مما يمثله ذلك من تهديد على النمو، وتهدف الحكومة إلى زيادة الناتج المحلى الإجمالى بنسبة 4% بعد أن بلغ العام الماضى 2.2%، ومن غير المرجح أن يتحقق هذا الهدف دون ازدياد الطلب المحلى الذى سوف يعانى تحت وطأة ارتفاع أسعار الفائدة.
وعلى النقيض خفضت المجر أسعار الفائدة حيث أن لديها فائضاً فى الحساب الجارى مما سمح لها بالتركيز على النمو.
أعلن البنك المركزى أيضاً أن العملاء الرئيسيين لن يستطيعوا الحصول على تسهيلات الاقراض بالخصم الذى يصل فى الظروف العادية إلى 50 نقطة اساس.
قالت بوركو اونوفار، كبير خبراء الاقتصاد لدى شركة از ياتيريم للسمسرة، إن أسعار الفائدة خلال تلك الأيام من التشديدات الاضافية للسياسة النقدية سترتفع بنسبة 12 نقطة اساس وليس 75 نقطة اساس، واضافت انها تتوقع أن يكون هناك المزيد من التشديدات النقدية اللازمة فى حين يرى آخرون أن البنك المركزى سيفعل ما بوسعه لتجنب ارتفاع أسعار الفائدة.