لم أصدق نفسي حين قرأت خبر تطبيق التسعيرة الجبرية. هل حكومة الأبيض وأسود التي تتولى تسيير الأمور وصل بها الأمر إلى هذا الحد من الاستخفاف بعقولنا؟ وهل يصدق أحد بالفعل أن هذه الحكومة بآلياتها التي لم تتغير منذ عقود وبكل الفساد المنتشر في موظفيها، ستنجح في مراقبة الأسواق؟ أم أن القرار سيتحول إلى مصدر اتاوات جديد للسادة مفتشي وزارة التموين؟
هذا قرار محكوم عليه بالفشل منذ لحظة صدوره ولكنه يأتي في اطار كسب ود الجماهير المتعطشة لأي انجاز حكومي لتقنع نفسها أنها حين خرجت على حاكم وحكم الاخوان إنما خرجت على حق وأن الحياة ستستقيم من بعده. هذا قرار لا يقل في سؤ دراسته عن قرار الحد الأدنى للأجور المتسرع الذي حمل في طياته عيار لا يصيب وإنما “يدوش” القطاع الخاص وترياق يخدر المواطن.
وبدلا من أن تبدأ حكومة تيسير أوتسيير الأعمال في خطوات جادة لمحاربة الغلاء تستطيع أن تستكملها حكومة دائمة تأتي لاحقا، نفاجأ بأنها تخفي رأسها في الرمال بهذا القرار.
القاعدة بسيطة: سيظل هناك ارتفاع في الأسعار طالما بقيت الاحتكارات في الأسواق وطالما عز دخول منافسين جدد للأسواق. هذا ما تعلمناه وطبق بنجاح في شتى بقاع الأرض. وبالتالي المطلوب تعزيز المنافسة وليس الخوف من مواجهة الغيلان المصرية المحتكرة للسلع المختلفة. فجميع ما يستورد من سلع غذائية تقريبا به احتكارات من مجموعة من الأشخاص ويساعدهم موظفون فاسدون مرتشون يحولون دون السماح لآخرين باستيراد أو انتاج سلع مماثلة تزيد من قدرة المعروض على خفض الأسعار.
وبدلا من مواجهة هؤلاء بأن تقوم الحكومة بلعب دور التاجر المرجّح تدفن رأسها في الرمال وتصدر قرارات مرتعشة جوفاء مثل التسعيرة. وزارة التموين بكل امكانياتها من منافذ بيع سلع ووزارة الاستثمار بما لديها من شركة قابضة للتجارة لا ترغبان في مواجهة المشكلة. هل بسبب الخوف من المواجهة؟ أم بسبب مصالح لا يمكن الاقتراب منها؟
هل حجة عدم تطور منظومة المجمعات الاستهلاكية بما يتيح لها المنافسة كافية لاقناعنا؟ أنا شخصيا غير مقتنع ولا أعلم عن رأيكم في هذا ولكن ما يقنعني على الأقل أن أرى بداية لمثل هذا التطوير والاصلاح اذا كانت لديهم النية. النية الحقيقية التي تستمر طول العام ليس في فترة الأعياد وشهر رمضان التي تقام فيهما الشوادر وتتوفر السلع بقدرة قادر ولا تتوفر في العشرة أشهر المتبقية.
المقال بقلم الاعلامي تامر نصرت