بقلم: ديفيد جاردنر
منذ أن تحول الفصل السورى فى قصة الربيع العربى إلى ثورة مسلحة ضد طغيان الأسد، لجأ المسئولون الغربيون إلى استخدام الصيغة المشروطة لشرح موقفهم تجاه ما يطلقون عليه السياسة تجاه سوريا: «إذا تدخلنا، قد نتسبب فى تفكك سوريا وظهور القاعدة».
وها نحن الآن، وبعد مرور ثلاث سنوات، مازالت الولايات المتحدة وأوروبا تديران ظهرهما لجماعات القاعدة الجدد التى تثور عبر شمال وشرق سوريا وفى غرب العراق.
وبينما يتفجر الوضع فى سوريا، تنهار الوحدة فى العراق، فجماعة الدولة الإسلامية فى العراق والشام، المستلهمة من القاعدة، تحاول تأسيس إمارة عبر الحدود «أى أفغانستان فى المشرق العربي»، فكيف وجدت هذه العصابات المتجولة طريق العودة بعدما أهدروا الفرصة التى قدمها لهم الغزو الإنجليزى الأمريكى غير المبرر للعراق فى 2003؟.
وتزدهر الجهادية الراديكالية التى لها امتداد دولى فى الدول الفاشلة أو التى فى طريقها إلى الفشل مثل أفغانستان والصومال واليمن، وفى المساحة غير الخاضعة لحكم التى يخلقونها بأنفسهم من الساحل وحتى القوقاز أو فى معقل جماعة الدولة الإسلامية فى العراق والشام الذى يمتد بين نهرى دجلة والفرات فى المنطقة الشمالية من العراق.
ويعد العدوان الخارجى كما فى العراق أو الشيشان او البوسنة – محفزاً حيويا لحشد المجاهدين تحت أعلام الجهاد السوداء، والغزو العراقى نزع فتيل ما بدأ كتمرد ناجح ضد القوات الأمريكية فى معقل السنة فى محافظة الأنبار فى الغرب.
ولكن الصفة التدميرية فى القاعدة تمثلت فى قائدها المحلى المتعطش للدماء والمؤمن بسيادة السنيين، أبو مصعب الزرقاوي، الذى أعطى الأولوية لذبح الشيعة الوثنية – وهم قلة فى الإسلام، أغلبية فى العراق – ثم أجبر القبائل السنية على التمرد.
والأسبوع الماضى، عادت جماعة الدولة الإسلامية فى العراق والشام فى الأنبار، واستولت على مدينتى الفلوجة والرمادي، كما كانت فى معظم العام الماضى تساهم فى الحرب ضد الأسد عبر الحدود مع سوريا، وليس من الصعب معرفة السبب.
ورفضت الدول الغربية التى أرادت سقوط الرئيس بشار الأسد أن تمد المتمردين بوسائل مكافحة آلة القتل النظامي، بل وتركت تأييد المتمردين لحلفائها فى الخليج، بينما أصبحت تركيا سبيل المجاهدين المتطوعين.
وفى نفس الوقت فى العراق، فتحت ربيب الولايات المتحدة سابقا، نورى المالكي، الشيعي، أبواب الدولة للجهاديين العائدين بعد تعذيب الأقلية السنية وتصفية قادتهم، وبرؤيته الضيقة الطائفية لمستقبل العراق، دمر رئيس الوزراء اتفاق مشاركة القوة الذى تحتاجه بلاده بشدة.
ويواجه صناع السياسة الغربيين تناقضاً، فالذهاب إلى العراق أعطى الجهاديين قاعدة هناك، ودعم الطائفيين مثل المالكى جعل السنة يائسين إلى الجهادية الراديكالية.
ومع ذلك، فإن البقاء خارج سوريا وتسليح المتمردين من الباطن من خلال السعودية الوهابية بينما تنقذ إيران الشيعية وحلفائها مؤيدى الأسد، وهو بمثابة هدية للجهاديين، وأدت كلتا السياستان إلى إعادة اشعال الانقسام السنى الشيعى الخامد منذ قرون الذى يستهلك المنطقة حاليا.
ومن حسن الحظ إن جماعة الدولة الإسلامية فى العراق والشام مثل الزرقاوى متطرفة بدرجة ستدمرها، وفى الأيام الماضية، تفوقت عليها ائتلاف جديد للمتمردين السوريين الإسلاميين، كما دفعتها المليشيات القبلية السنية إلى الأنبار.
ومع ذلك، فإن ترتيب الصفوف هذا متقلب، فهؤلاء الذين يحاربون جماعة الدولة الإسلامية يريدون وسائل فعالة لمحاربة مؤيدى الأسد، كما أنهم يعارضون بشدة محاولات المالكى لاحتكار القوة والموارد.
ومن الأهمية بمكان تذكر أن تهديد القاعدة يأتى بعد فترة طويلة من الفشل، وأن الوحشية والاستبدادية واحتقار الهوية المحلية لا تقدم أى حلول لإعادة التشكيل التى تجرى فى العالم العربي.
وينبغى أن يتحول التركيز السياسى عن الجهاديين نحو الظروف التى تخلقهم والفرص التى يمنحها الغرب وحلفائه لهم، فمصر على سبيل المثال، أطاح جيشها المدعوم من الولايات المتحدة بالحكومة الإسلامية المنتخبة، واستعاد الدولة الأمنية ولكنه لا يستطيع ضمان الامن فى الفضاء الشاسع فى شبه جزيرة سيناء.
وهذه وصفة أكيدة للتحريض على الإرهاب – الذى يقول الجيش إنه يكافحه – كما أن سيناء فرصة للجهاديين المتجولين.
إعداد: رحمة عبدالعزيز
المصدر: الفاينانشيال تايمز