بلا رحمة مثل حيتان القرش، انقضت صناديق إدارة الأموال العالمية، على عملات دول الأسواق الناشئة، بعد أن وقعت الأخيرة، في فخ السيولة الضخمة للأسواق المتقدمة.
وبدأت عملات دول مثل تركيا وإندونيسيا والأرجنتين والبرازيل وجنوب إفريقيا، رحلة الانهيار العظيم بأسعار الصرف منذ منتصف الشهر الماضي، لتعكس أداءها الاقتصادي الضعيف مقابل بدء مناورات أميركية جديدة في إدارة السياسة النقدية للدولار.
ولم تفلح جهود البنوك المركزية في دول الأسواق الناشئة في إطفاء نار أشعلها المضاربون على عملاتها التي هوت بشكل فاق كل التصورات بحيث خسرت بعض هذه العملات نحو ربع قيمتها أمام الدولار الأميركي في غضون 12 شهراً.
وقالت مصادر مصرفية مسؤولة لـ”العربية.نت” إن بعض الدول مثل تركيا وإندونيسيا، استنفدت جزءاً مهماً من احتياطياتها بالعملة الأجنبية، في إطفاء نار الأزمة المشتعلة بعد أن فشلت مساعي رفع أسعار الفائدة.
وعلى الأغلب “لم تشبع أسعار الفائدة المرتفعة رغبات المضاربين بالمزيد من الأرباح، لا سيما أنهم حققوا قيماً خيالية منها خلال الفترة الماضية”، بحسب قول أحد المصادر.
وحاولت تركيا والهند والبرازيل وغيرها جذب المستثمرين وطمأنتهم من خلال رفع غير منطقي ومبالغ به بأسعار الفائدة الممنوحة على الودائع بعملاتها، لكن ذلك لم يعد يجدي نفعاً مع صناديق تحوط ومضاربين يمتلكون من المعلومات والتحليلات للتنبؤ باتجاهات الاقتصاد، بما يفوق قدرة بعض الدول.
وأغرت السيولة الفائضة التي ضختها دول الاتحاد الأوروبي وأميركا بشكل مكثف في أسواقها، صناديق عالمية تابعة لبنوك، لا تفصح عن توجهاتها إلى التحرك مثل أسماك القرش الكبيرة، صوب المياه الراكدة في اقتصاديات الدول الأقل أداء، لتخلق لها أزمة في العمق انعكست بشكل جلي على شكل معركة تكسير عظام في سوق العملات.
وحذر مصرفيون من نشوء أزمة تشبه تساقط أحجار الدومينو، ستدفع بانتشار نطاق التداعيات إلى ما هو أشمل من دول الأسواق الناشئة.
وقال رئيس قسم المحاسبة بجامعة الكويت الدكتور صادق البسام، إن دول الخليج تبدو بعيدة عن آثار تلك الأزمة ما دامت اقتصادياتها معززة برواج النفط وبقاء سعره حوالي معدل 100 دولار للبرميل، لكن أحد المصرفيين قال “هي بعيدة، لكنها ليست بمنأى، العالم قرية صغيرة”.
ويخشى أن تتسلل تداعيات أزمة عملات الدول الناشئة، إلى الضغط على العمليات المصرفية الخارجية للبنوك الخليجية، لكن الإجراءات التي اتخذتها البنوك المركزية بعد أزمة 2008 منعت كثيراً من مظاهر المضاربة على العملات من الخارج في بنوك الخليج.
ويواصل المضاربون الاستفادة من تحركات البنوك المركزية، من خلال التأقلم مع سياسات استثمارية جديدة تستمر بتبادل المراكز على العملات والخروج منها مجدداً.
ورفعت تركيا سعر الفائدة على الليرة بمقدار الضعف ليضيف عليها 5.5% لتصل إلى نحو 10% لكن ذلك لم يوقف مسلسل الهبوط.
واستخدمت تركيا نحو 27% من احتياطياتها المالية بالعملات الأجنبية بين يونيو 2013 حتى فبراير الحالي، لمواجهة طوفان الأزمة الشرسة، لتتراجع هذه الاحتياطيات بحسب آخر التقديرات إلى 34 مليار دولار.
وخسرت الليرة التركية نحو 20% من قيمتها العام الماضي، لتتعمق الخسائر بهبوطها مطلع العام الحالي إلى أدنى مستوى في خمس سنوات أمام العملة الأميركية.
وتفجرت الأزمة بعد تراكم الأموال الساخنة التي ضختها صناديق مالية عالمية متمرسة بفن المضاربة على العملات وتبادل الودائع المليارية الكبيرة عبر بنوك العالم بشراء أرصدة ضخمة من عملات الدول الناشئة.
وما إن أثبتت السلطات النقدية الأميركية جديتها في خفض برنامج التيسير الكمي حتى انسحب المضاربون بشكل سريع من هذه الودائع، وباعوا أرصدتهم من عملات دول الأسواق الناشئة لعلمهم أن الدولار سيصبح عزيزاً.
ويعني التيسير الكمي شراء الحكومة الأميركية أوراقاً مالية وسندات وأسهماً داخل الولايات المتحدة بقيمي 65 مليار دولار كل شهر، لتتحول هذه القيمة إلى سيولة ضخمة بيدي المستثمرين الذين حولوها إلى المضاربة على العملات الناشئة بدلاً من استخدامها في إنعاش الاقتصاد الأميركي المعتل.
وبدأت منذ منتصف الشهر الماضي صناديق مالية كبرى، بالهرولة والهروب “Banks Run” من مراكزها بشكل جماعي على عملات الأسواق الناشئة بعد أن حققت مكاسب ضخمة من خلال البيع والشراء على مدى السنوات الثلاث الماضية.
وتمنع قوانين الدول المضاربة على العملات، لكن أحداً لا يمكنه السيطرة على سوق تبادل الودائع بين البنوك العالمية الذي تجري عملياته بسرعة وتحركات تجري كل ثانية.
ولم تسلم عملات أخرى في أوروبا الشرقية من معركة العملات مثل أوكرانيا التي فقدت عملتها أكثر من 20% من قيمتها خلال الـ12 شهراً الأخيرة مقابل الدولار الأميركي.
العربية