بقلم: محمد العريان
بدلاً من التقدم للأمام واختراق مستوى %3 الذى توقعه الكثيرون أول العام، تراجع العائد على سندات الحكومة الأمريكية لأجل 10 سنوات لأدنى مستوى منذ أكتوبر الماضى عند %2.5 فقط، وليست السندات الأمريكية هى الوحيدة التى كان أداؤها غير متوقع.
فالسندات الحكومية الألمانية لأجل 10 سنوات هبطت إلى %1.3 الأسبوع الماضي، وهو أدنى مستوى لها فى 12 شهراً تقريباً، وكل ذلك حدث فى سياق استواء منحنيات العائد «حيث تتفوق السندات طويلة الأجل على تلك الأقصر أجلا»، وهى مفاجأة أخرى لأسواق السندات.
وتجمعت ثلاثة عوامل رئيسية معا وأدت إلى تلك النتائج غير المتوقعة.
أولا، تضاعفت المخاوف المستمرة بشأن فشل النمو الأمريكى والأوروبى فى “الإقلاع” – بما فى ذلك بيانات تباطؤ الربع الأول فى منطقة اليورو الأسبوع الماضي- فى الأسابيع القليلة الماضية بسبب انتشار المخاوف بشأن تراجع التضخم بحدة ولفترة مطولة ما يسحب البساط من تحت التوقعات التضخمية.
وربما لا أحد يدعو لهذه المخاوف أكبر من مؤشرات البنك المركزى الألمانى المصاب بمرض ارتباب التضخم لدرجة انه قد يدعم البنك المركزى الأوروبى فى التوغل أكثر فى السياسة النقدية غير التقليدية لمكافحة الانكماش المطول.
ثانيا، أعربت البنوك المركزية عن استمرار رغبتها فى إحباط أسعار الفائدة لمدة أطول لكى تحفز النمو وتقلص تهديد الانكماش، ومن المتوقع أن يقدم البنك المركزى الأوروبى سلسلة جديدة من التدابير التحفيزية عندما يجتمع مجلس الإدارة فى 5 يونيو المقبل.
كما أكد مارك كارني، محافظ البنك المركزى البريطاني، الأسبوع الماضى أنه لا يوجد سبباً للعجلة فى رفع أسعار الفائدة بغض النظر عن المخاوف بشأن سوق الإسكان المنتعش.
وفى الوقت نفسه، وعلى الناحية الأخرى من الأطلنطي، ينهى برنامج الاحتياطى الفيدرالى برنامج شراء السندات الشهرى تدريجيا، ويؤكد المسئولون على المحافظة على أسعار الفائدة منخفضة بشدة لمدة أطول.
ثالثا، ساعد وضع السوق على زيادة التوتر فى العوامل الاقتصادية والسياسية، فقد كانت قلة قليلة من المتداولين مستعدين لأسعار فائدة أقل ناهيك عن استواء منحنيات العائد، ونتيجة تحركات العائدات مؤخرا، لجأوا إلى شراء السندات للحد من الخسائر المتراكمة.
ولكن كلما انخفضت أسعار الفائدة، أصبح الأمر أصعب على بعض المؤسسات التى تحبذ الاستثمارات طويلة الأجل أن تستثمر فى السندات منخفضة العائد نظراً لطبيعة التزاماتها الطويلة.
ونظريا، لا يوجد ما يستدعى القلق لأن أسعار الفائدة المنخفضة ذاتية التصحيح، فمن خلال تقليل أسعار الفائدة على الرهن العقاري، تصبح قدرة تحمل تكاليف شراء المنازل أكبر، أما بالنسبة لمالكى المنازل، يزداد الحافز لديهم لإعادة تمويل قروض الرهن العقاري، وفى كلتا الحالتين تدعم أسعار المنازل ويتعزز نشاط الإسكان، كما ان ذلك يدفع المستثمرين بعيدا عن السندات ونحو الأصول الأكثر خطورة.
وبالفعل، فإن هذا الهدف الرئيسى للسياسات “غير التقليدية” التى تنتهجها البنوك المركزية الكبيرة على أمل أن تؤدى إلى زيادة فى أسعار الأصول الخطرة، مما يجعل الأسر والشركات يشعرون بتحسن ويشجعهم على المزيد من الاستهلاك والاستثمار.
إن الرحلة إلى أسعار الفائدة المنخفضة – وما يتعلق بها من تقلبات – تتطلب مراقبة قوية، فالتراجع المفاجيء فى أسعار الفائدة يثير المخاوف بشأن صحة الاقتصاد العالمى مما يؤدى إلى موجات بيع كبيرة للأسهم والأصول الخطرة الآخرى.
وبينما تبدو الأسابيع القليلة المقبلة متقلبة، لا يزال بإمكان الاقتصادات الغربية تجنب الطريق الأكثر تدميرا، ويستعيدوا المسار البنّاء ذاتى التصحيح، ورغم ذلك، يبدو أن ذلك رهان بعيد المنال بالنظر إلى اجتماع التقييمات الطويلة لأسعار الأصول والمخاطر الجغرافية السياسية من أوكرانيا والتحديات التى تواجه الصين فى هبوطها الناعم بينما تعيد توجيه نموذج النمو الخاص بها.
وهذه المرة لا ينبغى أن ننظر إلى أى جولة أخرى من السياسة التجريبية من قبل البنوك المركزية مفرطة النشاط على أنها كافية لاستقرار الأسواق، وتعزيز النمو الصحي، والقضاء على الانكماش.
فالمطلوب هو مواصلة معالجة الاقتصادات الغربية من خلال سياسة مالية نقدية أكثر توازنا وإجراءات تعزز الإنتاجية بشكل أكبر بما فى ذلك استثمارات البنية التحتية.
إعداد: رحمة عبدالعزيز
المصدر: الفاينانشيال تايمز