بقلم: كينيث روجوف
ألم يحن الوقت للتفكير فى التخلص تدريجياً من العملات الورقية بدءا بالعملات ذات الفئات المتعددة؟ فالتخلص من العملات المادية، واستبدالها بالأموال الإلكترونية سوف يضرب عصفورين بحجر واحد.
أولا، سوف تقضى على سياسة الفائدة الصفرية التى كبلت البنوك المركزية منذ الأزمة المالية العالمية، وإذا قامت البنوك المركزية فى الوقت الحاضر بتحديد أسعار فائدة دون الصفر، فسوف يبدأ الناس فى سحب ودائعهم، ثانيا، التخلص التدريجى من العملات الورقية سوف يعالج القلق الناتج عن استخدام الكثير منهم ـ خاصة العملات ذات الفئات المتعددة ـ فى تسهيل التهرب الضريبى والنشاط غير القانوني.
وبالتأكيد يوجد بعض الحجج المهمة التى تؤيد الوضع الحالي، ومن بينها الخسارة المحتملة لإيرادات رسوم سك العملة – وهى أرباح البنوك المركزية من طباعة الأموال، ولكن التكاليف الحقيقية على الحكومات أقل بكثير مما قد توحى به خسارة ايرادات سك العملات، لأنها سوف تجنى إيرادات من خلال جعل التهرب من الضرائب أكثر صعوب، كما سيوفر ذلك على الحكومات نتيجة خفض معدلات الجريمة.
وهناك حجة أخرى تتعلق برغبة المجتمع فى أن يحتفظ بحق الأفراد فى القيام بمدفوعات سرية فى نشاطات بعينها، حتى وإن كان يحبذ رفع عباءة السرية عن هؤلاء المتورطين فى التهرب الضريبى والجريمة، ولكن السرية تسهل تجريب أنشطة تصبح فى النهاية قانونية (مثل شراء الماريجوانا).
وشجع ويليم بيوتر، عضو سابق فى لجنة السياسات النقدية فى بريطانيا، فكرة إيجاد طرق مبتكرة للتحايل على الفائدة الصفرية منذ أكثر من عشر سنوات، والتخلص التدريجى من العملات النقدية هو أبسط تلك الطرق حتى الآن، كما أنه فى ظل الانتشار المتزايد لآليات الدفع الإلكترونى حتى فى المعاملات الصغيرة، ونظراً لأن المعروض من العملات الورقية أصبح مثقل بشدة نتيجة تعدد الفئات المطبوعة، فإن حجج الحفاظ على الوضع الراهن للعملة تزاد ضعفا.
ودون الخوض فى تفاصيل مضنية، يوجد ما يقرب من 4000 دولار تدخل فى نشاطات اجتماعية وتجارية لكل رجل وامرأة وطفل فى الولايات المتحدة وأوروبا، وهذا الكم ليس من السهل إيجاده أو تتبعه، أما فى اليابان فإن الرقم يعادل ضعف هذا المبلغ.
وفى الولايات المتحدة واليابان فإن أكثر الفئات التى يحملها الأفراد هى اعلى فئة: المئة دولار أمريكي، و10.000 ين ياباني، أما فى أوروبا فالوضع مختلف، لأن الفئات كثيرة جدا وتصل حتى 500 يورو.
وفى الواقع، حصة كبيرة من الدولارات واليورو – ربما النصف – تجوب العالم، وبعضها بالتاكيد يستخدم فى النشاطات غير القانونية والتهرب من الضرائب، وبالطبع، يستخدم أيضا الدولار واليورو، بما فى ذلك الفئات الكبيرة منهم، فى أغراض مشروعة، ورغم ذلك، فإنه على ما يبدو يوجد جزء كبير جدا منهم يدور فى الاقتصادات المحلية غير الرسمية، ويقدر هذا الجزء بـ %7 إلى %8 على الأقل من الناتج المحلى الإجمالى للولايات المتحدة، وربما أعلى من الناتج المحلى الإجمالى الأوروبي.
وبالطبع، إذا استطاعت الحكومات بالفعل إصدار عملة إلكترونية، فإن مشكلة الفائدة الصفرية سيتم حلها، كما أن البنوك المركزية سوف تواصل دعم منتجها الجديد، ولكن رغم أن هذا الحل يمكن تطبيقه، إلا أنه لا يلق رواجا.
وبخلاف ذلك، ستظل النشاطات غير القانونية مستمرة بغير هدوء، كما ستخسر الحكومة حتى الإيرادات الضريبية الضئيلة التى تحصل عليها الآن، وأخير، سوف يؤدى التحول بعيدا عن العملات الورقية إلى تعاون مثالى بين الحكومات.
وربما نقطة الانطلاق الأمثل للبدأ هى التخلص التدريجى من فئات العملات الكبيرة، وهذا قد يكون كافيا لتنفيذ الأهداف الرئيسية، وحان الوقت للتفكير فى ما إذا كانت العملات الورقية لا وظيفية أم أسوأ.
إعداد: رحمة عبدالعزيز
المصدر: الفاينانشال تايمز