هوامش العرض والطلب أكبر بكثير مما كانت خلال الأزمة العالمية
فى عصر السيولة الوفيرة، عندما تكون الأسواق المالية فى أوج نشاطها، قد تبدو فكرة توقف التداول فى سندات الأسواق الناشئة أمراً غير مرجح.
ولكن ما يحذر منه بعض المحللين على وشك الحدوث فى أسواق الدين الثانوية بالأسواق الناشئة، حيث يتم بيع وشراء السندات التى تم إصدارها بالفعل، ومن الممكن أن تكون النتيجة عمليات بيع مفرطة لجميع أصول الأسواق الناشئة فى حالة ارتفاع أسعار الفائدة فى الولايات المتحدة كما هو متوقع على نطاق واسع.
وكانت سياسات التيسير الكمى التى تبناها بنك الاحتياطى الفيدرالى الأمريكى وغيره من البنوك المركزية الأخرى قد دعمت التدفق الغزير للسيولة.
وكانت هذه الإصدارات بالفعل فى اتجهاها التصاعدى قبل اندلاع الأزمة العالمية عام 2008-2009 جراء قدوم المستثمرين الجدد إلى الأسواق الناشئة بحثاً عن عائدات أعلي.
وأفاد بنك التسويات الدولية بأن حجم ديون الأسواق الناشئة التى لم تسدد ارتفع من 650 مليار دولار عام 2001 إلى ما يقرب من 6.9 تريليون دولار فى نهاية العام الماضي.
وكان غالبية مشترى مثل هذه الديون فى السنوات الأخيرة من مستثمرى النقود الحقيقية- أى صناديق المعاشات وصناديق الاستثمار وشركات التأمين وصناديق الثروة السيادية والبنوك المركزية- بدلاً من صناديق التحوط وغيرها من مستثمرى أموال المضاربة الذين هيمنوا على استثمارات الأسواق الناشئة فى سنواتها الأولي، وهناك الآن مخاوف من أن يكون مستثمرو الأموال الحقيقية، الذين لديهم وفرة من السيولة، يشترون سندات من المفترض ألا يقوموا بشرائها.
ويقول البيك موسليموف، رئيس تداول الائتمان للأسواق الناشئة فى سيتى جروب، يُجبر المستثمرون على الشراء بسبب الأموال التى تطبعها البنوك المركزية، وكانوا يُجبرون على الشراء فى بعض الأحيان على عكس رغبتهم، إذ أنهم يحصلون على تدفقات نقدية، يتعين عليهم استثمارها كمدراء محافظ مالية، كما أنهم يشترون أصولاً ذات مخاطر عالية، ويعد تحويلها إلى سيولة مصدراً كبيراً للقلق.
ويقول المتداولون إن الأسواق الثانوية تغيرت منذ اندلاع الأزمة المالية العالمية كنتيجة للقواعد التنظيمية الجديدة، بما فى ذلك قواعد فولكر وبازل 3، ما زاد الأمور صعوبة على البنوك للتداول لحسابها، كما أنها تلزمها بتحمل المزيد من رأس المال عندما يكون لديها أصول عالية المخاطر، مثل سندات الأسواق الناشئة، فى دفاترها.
وهذا بدوره جعل من الصعب على البنوك أن تعمل كصانع سوق، تجنى الأموال من خلال التداول فى الأصول مثل السندات والأسهم، وحتى تقوم البنوك بمثل هذه المهمة بمصداقية، يتعين عليها أن تعرض على المستثمر سعر العرض وسعر الطلب قبل أن تعرف ما إذا كان عميلها يشترى أم يبيع.
ومن إحدى علامات التغير التى تحدث فى الأسواق المالية هي إتساع هوامش العرض والطلب- أى الفجوة بين السعرين اللذين يعرضهما صناع السوق.
وعادة ما تكون هذه الهوامش أقل فى الأسواق الأكثر سيولة واكبر فى الاسواق الأقل سيولة، وإذا ألقينا نظرة على اسعار السندات الحكومية لأجل عشر سنوات التى أصدرتها بلومبيرج لأربعة وعشرين سوقاً ناشئاً، نجد أن هوامش العرض والطلب أكبر بكثير مما كانت خلال الأزمة العالمية، وازدادت الهوامش بشكل حاد فى عام 2011 أى خلال أزمة منطقة اليورو، واتسعت مرة أخرى العام الماضي، عندما قال الاحتياطى الفيدرالى إنه سوف يبدأ فى تقليص برنامجه الخاص بالتيسير الكمي، وقد تراجعت الهوامش منذ ذلك الحين ولكنها ظلت أكبر من متوسط ما كانت عليه خلال الأزمة.
ولذا، ما الذى قد يحدث إذا قرر المستثمرون فى سندات الأسواق الناشئة بيعها بأعداد ضخمة إذا ما ارتفعت أسعار الفائدة الأمريكية؟ فمجرد احتمال تقليص برنامج التيسير الكمى كان كفيلاً العام الماضى بإشعال عمليات البيع المفرطة التى إنتشرت سريعاً إلى عملات الأسواق الناشئة، وفى الوقت الذى قد يختار فيه مستثمرو النقود الحقيقة، مثل صناديق الثروة السيادية، السيناريو ذاته للتخلص من سندات الأسواق الناشئة، ربما لا تميل صناديق الاستثمار إلى هذا الاختيار.
وقال مانوج برادهان وباتريك دروزدزيك، لدى مورجان ستانلي، إن نقطة ضعف اقتصادات الأسواق الناشئة هى الملكية الأجنبية لأسواق الدين المحلية، ونظراً لأن عمليات البيع المفرطة تؤدى إلى انخفاض أسعار السندات، فإن المستثمرين الأجانب سوف يبيعون فئات أصول أخرى لحماية رأس المال.