ثلاثة أرباع العالم عانى من الحكم الاستعمارى، ولكن فجّر القمع على مدى عقود من الزمان الغضب مثل عاصفة الصيف. وعلى إثره نزح الشباب فى العالم العربى إلى شوارع المدن وطالبوا بإسقاط الأنظمة القمعية.
وذكرت مجلة الإيكونوميست أن بعدها اهتزت الأنظمة ومنحت تنازلات سريعة من خلال: خطاب أكثر حرية؛ وضع حد لحكم الحزب الواحد، انتخابات حقيقية. وأدى تدخل القوة العسكرية فى دول الربيع العربى إلى قطع طريق الاستقرار ومسارات الإصلاح الاقتصادى وهو ما أثر سلباً على التجارة بين الدول العربية.
اتساع دائرة الصراع وراء «العقد الضائع» للسوق العربية
يصعب فى ظل ظهور الجهاديين فى العراق وسوريا من استخدام الطرق التجارية عبر الشرق الأوسط، كما أنه يلقى بظلاله على التوقعات الاقتصادية نتيجة اصطفاف الشاحنات على الحدود، بالإضافة إلى ارتفاع أسعار الغذاء والطاقة وتعثر الصادرات.
ويسبب التقدم السريع لقوات الدولة الإسلامية فى العراق والشام «داعش»، فى العراق صعوبات اقتصادية لتركيا والأردن وللعراق، كما أنه يقلب عقدا من نمو التجارة فى انحاء المنطقة رأساً على عقب.
وكان العراق ثانى أكبر سوق تصدير لتركيا بعد ألمانيا، بنحو 12 مليار دولار العام الماضى، رغم أن %70 من هذه الصادرات كانت لحكومة إقليم كردستان فى شمال البلاد.
وقد حذرت وكالة موديز للتصنيف الائتمانى الأسبوع الماضى من أنه إذ استمر القتال فى العراق ووصل إلى المنطقة إقليم كردستان، فسوف يؤثر ذلك على نحو %15 من الصادرات أى ما يمثل %3 من الناتج المحلى الإجمالى، وسوف يؤدى إلى تباطؤ النمو الاقتصادى فى البلاد.
وبسبب القتال فى العراق وجارتها سوريا، حيث تسيطر أيضا «داعش» على أجزاء من أراضيها، تم تحويل العديد من الصادرات التركية إلى الخليج إلى معديات نقل الشاحنات فى ميناء الاسكندرونة على البحر المتوسط ومنها إلى مصر أو من خلال قناة السويس إلى المملكة العربية السعودية، والقليل من الشاحنات تفرغ فى ميناء حيفا الإسرائيلى لدخول السوق الأردنى، ولكن هذا الطريق يعطى إمكانية محدودة للوصول إلى الخليج، حيث حظر مرور الواردات عبر إسرائيل.
وتصطف الشاحنات التركية عند بوابة جوربلاك الحدودية مع إيران، والتى تعتبر طريقا بديلا للوصول إلى بغداد وجنوب العراق من خلال طهران، ولكن هذا الطريق البديل يضيف إلى رحلة الشاحنات التركية ألف كيلو لتزداد بذلك تكلفة الرحلة لكل شاحنة 2000 دولار، وذلك وفقا لاتحاد الناقلين الدولى فى تركيا.
ويقول شريف عجيلى، رجل أعمال تركى، إن أزمة العراق سوف تؤدى إلى تراجع الطلب على البضائع والخدمات التركية، ولاسيما فى مجال البناء الذى تخصصت فيه الشركات التركية.
وأضاف أنه طالما لا توجد حكومة فى بغداد، فمن الصعب جدا الاستمرار فى المشاريع، وبدون المشاريع لا يمكنك بيع أكثر من المنسوجات والمواد الغذائية.
وأوضحت صحيفة الفاينانشيال تايمز، أن الأردن يواجه أيضا عواقب اقتصادية لظهور «داعش» منذ أن تقدمت الجماعة المسلحة إلى محافظة الأنبار العراقية التى تبعد بضعة كيلومترات عن حدودها الشرقية.
وتستعد عمان، التى تشترى بعض احتياجاتها البترولية من العراق بأسعار مخفضة، لصدمة ارتفاع أسعار الطاقة.
وفى العراق نفسه، تعد الطرق البرية من الشمال مهمة جدا للحفاظ على عجلة الاقتصاد وسد حاجة السكان من الغذاء، وأفاد تقرير البنك الدولى بأن البلاد تستقبل %25 فقط من وارداتها عبر البحر.
ويقول شانتا ديفرجان، كبير خبراء الاقتصاد لمنطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا فى البنك الدولى، إن هناك علامات على ارتفاع أسعار الغذاء فى بغداد ومن المرجح أن تستمر، ومن المنتظر أن يدفع ارتفاع أسعار الغذاء الأعداد الضخمة من العراقيين الذين يعيشون بالكاد فوق خط الفقر إلى الانزلاق تحته، كما أنه سيؤدى إلى ارتفاع أعداد المواطنين الذين يعتمدون على برامج الغذاء الحكومية مما يزيد من التكاليف المالية على حكومة بغداد.
وتأتى هذه الأزمة فى الوقت الذى كانت تحاول المنطقة بالفعل إيجاد سبل جديدة لتعزيز التجارة بين دول المنطقة التى كانت ضعيفة بالفعل.
وكانت هناك علامات خلال العقد الماضى أن مستويات التجارة آخذة فى الازدياد، خاصة مع مساعى الشركات التركية لإنشاء روابط تجارية جديدة مع جيرانها العرب.
وأفاد تقرير البنك الدولى بأن متوسط قيمة التجارة بين السبع دول فى المنطقة- مصر وتركيا والعراق والأردن ولبنان وسوريا وفلسطين، قد بلغ 4.2 مليار دولار سنويا فى الفترة ما بين عامى 2000-2002، ثم ارتفعت حركة التجارة بشكل ملحوظ فى الفترة ما بين 2008 ــ 2010 لتصل إلى 29.7 مليار دولار سنويا.
وكان قد أعلن البنك فى ديسمبر عن مشاريع بقيمة 355 مليون دولار لتحسين ممرات النقل الرئيسية فى العراق وتسهيل حركة التجارة.
ولكن الآن مع انتشار قوات «داعش» فى أنحاء سوريا والعراق، وما يترتب على ذلك من عواقب اقتصادية وخسائر بشرية كبيرة، فإن الأمور تتجه فى مسار مختلف.
مصير البترول الليبى فى يد حركات التمرد
انخفضت أسعار البترول إلى أدنى مستوى فى ثلاثة أسابيع فى تقارير عن الانتعاش المحتمل فى الصادرات الليبية، بعد أن قال المتمردون إنهم سيعيدون فتح اثنتين من محطات البترول الشرقية.
كانت موانئ سدر ورأس لانوف قد حوصرت لمدة عام تقريباً والتى تتعامل عادة مع حوالى نصف صادرات البترول فى ليبيا. فى لفتة لدعم البرلمان الجديد، وصرّح المتمردون لرويترز، بأن الموانئ سوف يعاد افتتاحها.
تنتج ليبيا حوالى 1.4مليون برميل يوميا قبل الاحتجاجات والإضرابات والحصار، ووصل الانتاج الى مستوى منخفض 150 ألف برميل يوميا. فى الوقت الذى يتطلب أى اتفاق يمكن أن يحقق القدرة على التصدير حوالى 500 ألف برميل يوميا.
وأدى اتفاق ابريل الماضى إلى الافراج عن محطات البترول «الزويتينة ومرسى الاهاريجا «لكن فشلت الاتفاقات السابقة فى إعادة فتح الموانئ.
أفاد سمير كمال، مسئول ليبيا لدى منظمة «أوبك» لصحيفة فاينانشيال تايمز: «بقدر ما نحن قلقون، ليس هناك شهادة رسمية من وزارة البترول والغاز لإعادة فتح هذه المنافذ».
عزز الإنتاج المتوقف فى ليبيا والعقوبات الدولية ضد إيران، وسرقة الإنتاج النيجيرى، ومؤخراً، العنف الطائفى فى العراق سعر خام برنت ووصل لمستويات قياسية.
أعرب محللون بصناعة الطاقة العالمية، عن مخاوف من تفاقم الأزمة، بعد أن نواجه صعوبات فى الامدادات.
الجدير بالذكر أن العراق، أكبر منتج فى منظمة «أوبك» بعد المملكة العربية السعودية، وظهر كمصدر مهم من البترول، ووصل لأعلى مستوى من الانتاج فى فبراير الماضى منذ 35 عاما بنحو 3.6 مليون برميل يوميا.
وأفاد محللون لدى «كابيتال ايكونوميكس»، بأن الاضطرابات قد تمنع العراق من الوصول إلى أهداف الإنتاج الطموحة، كما أنه غير قادر على تطوير حقول جديدة فى الوقت الذى لا يزال القتال مستمراً.