بقلم: ديفيد جاردنر
يرى الكثيرون أن بشار الأسد ونظامه المحاصر هم المستفيدون الأكبر من الهجمات الجهادية التى صعقت سوريا والعراق فى الشهر الماضى، وأزالت الحدود بينهما لتأسيس خلافة سنية إسلامية، ومع ذلك، لم تتضح حتى الآن التوازنات السياسية والاستراتيجية.
هؤلاء الذين يعتبرون الأسد منتصرا يمكنهم الإشارة إلى كيف أن الطريقة التى ظهرت بها الدولة الإسلامية فى العراق والشام تؤكد على صحة رواية نظامه، ومنذ اندلاع الانتفاضة السورية فى مارس 2011، وصفها الأسد بأنها مؤامرة أجنبية لزرع عناصر القاعدة المتطرفين فى قلب بلاد الشام، وليست جزءا من الانتفاضة الثورية التى اجتاحت جميع المنطقة ضد الاستبداد العربي.
وفى النهاية أدى التلاعب الساخر للديكتاتور السورى بالعداء الطائفى ضد الأغلبية السنية وقراره بشن حرب شاملة ضد شعبه، بجانب قرار الغرب بترك دعم المتمردين فى أيدى الوهابية السعودية وقطر إلى جذب آلاف المتطوعين الجهاديين إلى الساحة السورية وظهور جماعة «داعش»، وكأنما فجأة، أصبحت مشكلة الأسد إقليمية وتسبب ذعراً دولياً.
والآن يسير الأمر على النحو التالي: «داعش» تثبت أن المصالح الغربية والإقليمية تتوافق مع رغبات الأسد وعشيرته، كما أن انقلاب «داعش» عظّم من اقتناع الظالم بأن وحشيته وحدها هى ما تقف فى طريق وحشية الجهادية التى يحمى منها ــ بنبل من جانبه ــ من حاولوا يوما الإطاحة به بلا فائدة.
وقال وضاح عبد ربه، رئيس تحرير جريدة الوطن اليومية الموالية للنظام السورى لوكالة «أيه إف بى»: «حان الوقت لكى يعترف الغرب بأنه اخطأ فى تشجيع زرع كل هؤلاء (الجهاديين) فى المنطقة»، مضيفا «لم تعد المشكلة سورية فقط»، و«بالطبع، يجب أن تكون سوريا جزءاً من هذا التحالف، فهى تقوم بكل العمل وحدها».
وبينما يوجد مؤيدون لهذا الرأى الذى يبدو فى الظاهر أنه معقول ولكنه زائف فى جوهره، فقد تتآمر الأحداث وتثبت خطئه.
فأولاً، وقبل الهجمات الجوية السورية الحديثة داخل العراق، بالكاد دخل الأسد فى مواجهات مع «داعش»، بل إن الجهاديين قدموه على أنه شخص مُهاب، كما استهلكوا الطاقات القتالية للمتمردين الذين تعد أجندتهم – بخلاف «داعش» – سورية ويأتى على قائمتها الإطاحة ببشار.
والآن، كسر النظام تحالف المصالح، ويمكن أن يتوقع عمليات انتقامية من «داعش» التى أصبحت خصماً أكثر صلابة بعد استيلائها على أسلحة ثقيلة ونقدية فى العراق.
ثانيا، الذعر الذى يستمتع به نظام الأسد حقيقى لدرجة أن القوات التى تحسم وجوده فى السلطة تسحب من سوريا إلى العراق، وبالفعل يوجد ثغرات ظاهرة فى دفاعات سوريا، بخلاف فقدان السيطرة على حدودها الشرقية، وعلاوة على ذلك، هل ستستمر إيران، المتعثرة بالفعل بسبب العقوبات ضد برنامجها النووى، فى تحمل التكلفة الضخمة لدعم آل الأسد.
ثالثا، مثلما أرادت دمشق، أصبحت داعش الآن بمثابة كابوس استراتيجى فى الشرق الأوسط، وهذا يعنى أن صناع السياسة قد يعيدون تقييم سلسلة الأخطاء التى أدت لهذا الوضع، وكذلك ما الذى ينبغى فعله حيال ذلك.
وبدأ العراق بالانهيار بعدما كان دولة موحدة بعد الغزو الذى قادته الولايات المتحدة فى 2003، وتسارع انفصاله بسبب طائفية الإسلاميين الشيعة بقيادة رئيس الوزراء نورى المالكى الذى جلبه الاحتلال للسلطة، كما وجدت «داعش» موطئ قدم لها فى سوريا بسبب وحشية الأسد الطائفية والفشل الغربى فى الدعم الكافى للمتمردين المعتدلين الذين لا يزال عددهم أكبر من الجهاديين، وإن كانت مواردهم أقل بكثير.
ويحاول الرئيس باراك أوباما الحصول على 500 مليون دولار من الكونجرس لتخصيص جزء منها لمعالجة هذا الوضع، ولكن إن كانت «داعش» بالفعل تشكل هذا التهديد الاستراتيجى الذى أدى بالولايات المتحدة وغيرها إلى محاولة حله، فإن هذه العمليات سوف تمتد بالضرورة إلى سوريا حيث قام نظام الأسد بالقليل للتصدى لها.
ومن الصعب للغاية رؤية أى نوع من الاستقرار يعود إلى بلاد الشرق المنقسمة فى ظل وجود الأسد والمالكى فى كرسيهما.
إعداد: رحمة عبدالعزيز
المصدر: الفاينانشيال تايمز