بقلم: دانييل زوبربوهلر
على من تقع المسئولية عندما تسىء البنوك التصرف؟ بالطبع ليس على من يديرونه، هذا الاستنتاج توصل إليه المدّعون والمشرعون الذين يواجهون موجة من الغضب الشعبى بسبب المخالفات المالية، وقد لجأوا إلى اتهام البنوك.
ويبدو أن هذا التصرف يؤتى بثماره، فقد اعترف بنك «بى إن بى باريبا» الأسبوع الجارى بأنه حوّل مليارات الدولارات نيابة عن دول كانت خاضعة لعقوبات أمريكية، واعترف بأنه مذنب فى قضايا جنائية وتحمّل غرامة بقيمة 8.9 مليار دولار.
وفى مايو، اعترف بنك «كريدى سوسيه» بقيامه بأعمال إجرامية تتعلق بخطة تهرب ضريبى تمتد لعقود، وانتهى الأمر بتسديد غرامة بقيمة 2.8 مليار دولار.
وتعد هذه العقوبات الضخمة والمتفاوتة نتيجة المنافسة غير اللائقة بين الوكالات التنظيمية المتعددة فى أمريكا، حيث تحرص كل منها على وضع بصمتها وغرس أنيابها فى الفريسة، وفى الوقت نفسه دعم التقدم المهنى لبعض الموظفين السياسيين.
ويحرض تلك الوكالات على ذلك نظام قانونى ينطوى على عواقب قاتلة فى لوائحه الجنائية، وتفقد المؤسسة المتهمة ثقة المستثمرين ونظائرها، مما يجعل مواصلة نشاطها مستحيلاً، وتختفى من الحياة قبل أن تصل القضية إلى المحكمة بوقت طويل، وفى ظل هذه الظروف لا تجد البنوك مفراً من سداد الغرامات الموقعة، وهو ما يجعل المشرعين الأمريكيين فى وضع قوي، فهم يبتزون الأموال من البنوك الداخلية والأجنبية على حد سواء، بل إنهم استهدفوا مؤسسات اشترت بنوكاً مفلسة أثناء الأزمة بتشجيع منهم.
وحاليا يجبر هؤلاء المحسنون التعساء على الدفع بسبب أخطاء البنوك التى أنقذوها، بالإضافة إلى أخطائهم الخاصة، ومن المفترض أن يعاقب القانون الأفعال الخاطئة وسوء السلوك، ولكن التركيز على المؤسسات يضعف مسئولية المديرين.
وتلقى كل مجموعة من المديرين بالأخطاء على أسلافهم، كما بإمكانهم استقطاع العقوبات باعتبارها خسائر استثنائية لكى يقدموا نتيجة معدلة تعرض الأرباح الأساسية بصورة أفضل، وهذا يمكن استخدامه لتبرير المكافآت السخية حتى فى وجه العقوبات والغرامات التى تتسبب فى خسارة نقدية لمالكى البنك، كما تعد العقوبات النقدية التى تصل إلى مليارات الدولارات انتهاكاً صارخاً لمبدأ التناسب.
واحترمت هيئة التشريع السويسرية «فينما» هذا المبدأ فى 2012 عندما أمرت بنك «يو بى إس» بدفع 59 مليون فرانك سويسرى أى ما يعادل 65 مليون دولار بسبب تزوير أسعار الفائدة، بينما تلقت السلطات الأمريكية أكثر من مليار دولار بسبب نفس المخالفات، رغم أنها حدثت فى طوكيو ولندن وزيوريخ.
وتضر العقوبات المالية المفرطة بالمساهمين فى البنك، وهؤلاء بمثابة الأهداف الخاطئة، وتدمر رأسمال البنك وتجعل المؤسسات أكثر ضعفا، كما أن حرمان البنوك من مليارات الدولارات يجعلها أقل مرونة ويحولها إلى استثمارات غير جذابة.
إن الدرس الرئيسى من الأزمة هو أن البنوك ذات الأهمية النظامية ينبغى أن يكون لها موارد مالية تمتص الخسائر الكبيرة، وهذا مستحيل فى حال مواصلة التآكل فى الاحتياطيات، وتراجع المستثمرين الذين يعوضونها عن الاستثمار فى تلك المؤسسات.
وبدلا من تعذيب البنوك ماليا، ينبغى فرض عقوبات رأسمالية، فالبنك الذى يعانى خسائر كبيرة أو فشلاً فى الالتزام بالقواعد لم يتعلم التحكم فى المخاطر ويحتاج دعامة أمان أكبر، ويجب عليه أن يمتلك المزيد من رأس المال لتعويض الخسائر، وبذلك يمكن معاقبة المدراء من خلال جعل تحقيق الأرباح أكثر صعوبة.
ولن يستمر المشرعون فى تلقى مثل هذه المبالغ الضخمة من مديرى المؤسسات المخربين، وإنما ستتمثل جائزتهم الكبرى فى حماية الشعب من خلال جعل البنوك أكثر أماناً.
إعداد: رحمة عبدالعزيز
المصدر: الفاينانشيال تايمز