يرى تقرير نشرته “اسوشيتد برس” أنه بينما تتعثر أوروبا، وتواجه الصين تباطؤا في النمو، وتكافح اليابان للحفاظ على مكاسب طفيفة، يحلق سوق الوظائف في الولايات المتحدة، وتسجل وتيرة النمو صعودا مطردا، فما هي العوامل التي تكمن وراء هذا الأداء الإيجابي للاقتصاد الأمريكي؟
1. حسم البنك المركزي الأمريكي:
لقد جاء تحرك مجلس الاحتياطي الفيدرالي أسرع وأقوى من بقية البنوك المركزية في العالم من حيث الإبقاء على معدلات فائدة منخفضة، بحسب برنارد بوموهل، كبير خبراء الاقتصاد العالمي في مجموعة النظرة الاقتصادية المستقبلية (Economic Outlook Group).
في ديسمبر/كانون أول 2008، خفض المجلس معدلات الفائدة قصيرة الأجل إلى نحو صفر بالمئة وأبقى عليها عند ذلك المستوى، وقد يسر هذا الانخفاض الشديدفي معدلات الفائدة كلا من الاقتراض والإنفاق بالنسبة للأفراد والشركات، كما أطلق المجلس ثلاثة برامج لشراء السندات تهدف إلى تقليص معدلات الفائدة طويلة الأجل.
على النقيض، كان البنك المركزي الأوروبي أبطأ في الاستجابة لمؤشرات الأزمة الاقتصادية في الدول الثمانية عشر التي تستخدم اليورو، بل أنه عمد إلى رفع أسعار الفائدة في 2011، وهو نفس العام الذي عادت فيه منطقة اليورو إلى الركود.
2. مصارف أقوى:
من ناحية أخرى، تحركت الولايات المتحدة على نحو أسرع من أوروبا باتجاه استعادة سلامة مصارفها بعد الأزمة المالية عامي 2008- 2009، حيث أخضعت الحكومة الأمريكية البنوك الكبرى إلى اختبارات تحمل في 2009 لبيان مدى قوتها المالية، وقد ساعد إظهار قوة وسلامة تلك البنوك على استعادة الثقة في النظام المالي الأمريكي.
نتيجة لذلك، بدأت البنوك الأمريكية تدريجيا في الإقراض من جديد، بينما لا زالت نظيراتها الأوروبية تخضع لاختبارات التحمل، ولن تظهر النتائج حتى الخريف المقبل، حيث ستظل تفتقر للثقة إلى ذلك الحين، خشية أن تكون مصارف أخرى تحتفظ بديون رديئة أكثر مما ينبغي، ما قد يعرض القارة العجوز إلى أزمة جديدة، مما يجعلها شحيحة في الإقراض.
أما في الولايات المتحدة، فقد ارتفع إجمالي الإقراض المصرفي بواقع 4 بالمئة العام الماضي، بينما قفز إقراض الشركات 10 بالمئة.
في الوقت نفسه، انخفض الإقراض في منطقة اليورو بواقع 3.7 بالمئة، بحسب بيانات معهد التمويل الدولي، كما تراجع إقراض الشركات بواقع 2.5 بالمائة.
3. اقتصاد أكثر مرونة :
يقول خبراء الاقتصاد إن اليابان وأوروبا تحتاجان إلى إجراء إصلاحات لتعزز مرونة اقتصاديهما، مثل الولايات المتحدة.
أوروبا تحتاج إلى رفع القيود على الأجور التي تمنع أرباب الأعمال من خفض الرواتب (بدلا من إلغاء الوظائف) عندما تسوء الأحوال الاقتصادية، كما أنها ربما تحتاج إلى إعادة النظر في برامج الرفاة والتقاعد التي لا تحض الناس على العمل، وتحول دون انضمام المبتكرين الجدد إلى السوق، بحسب منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.
وفي اليابان، اقترح رئيس الوزراء شينزو آبي توسيع رعاية الطفل حتى يتسنى لمزيد من النساء الانضمام إلى سوق العمل، علاوة على استبدال المزارع الصغيرة عديمة الكفاءة بمزارع تجارية كبيرة، وأخيرا السماح باستقدام المزيد من العمال الأجانب لملأ الفراغ في مجالات مثل التمريض والبناء.
لكن تلك المقترحات تواجه معارضة شرسة.
4. خفض أقل للميزانيات:
تحت ثقل الديون، عمدت الكثير من البلدان الأوروبية إلى تقليص العجز المتضخم في ميزانياتها، حيث خفضت رواتب التقاعد ورفعت الضرائب وقلصت أجور موظفي الحكومة، لكن هذه الإجراءات دمرت عدة اقتصادات أوروبية، ووصلتبمعدلات البطالة إلى 27 بالمئة في اليونان، و14 بالمئة في البرتغال، و25 بالمئة في أسبانيا.
الولايات المتحدة قامت بدورها ببعض الإجراءات لتقليص عجز الموازنة ورفعت الضرائب، لكن تقشفها ظل بعيدا عن هذه القسوة التي شهدتها أوروبا.
5. سوق أسهم نشط:
أخيرا، نشطت سياسة الأموال السهلة easy-money ، التي طبقها مجلس الاحتياطي الفيدرالي أداء الأسهم الأمريكية، ما أسهم في تفوق البورصات الأمريكية على أسواق الأوراق المالية في أوروبا واليابان وهونج كونج على مدار السنوات الخمس الماضية.
في الواقع، لقد كان ذلك أحد أهداف بن برنانكي من تخفيض أسعار الفائدة، حيث فكر في أن ضعف العائدات على أدوات الدخل الثابت سيدفع المستثمرين إلى دخول سوق الأسهم بحثا عن عوائد أفضل، ومن شأن ارتفاع أسعار الأسهم أن يمنح الأمريكيين مزيدا من الثقة والرغبة في الإنفاق- فيما يسمى بتأثير الثروة.