بقلم: كليمينز فيرجين
لطالما كنت ناقدا للسياسة الخارجية الألمانية بسبب احتمائها تحت المظلة الأمنية الأمريكية، واكتفائها بالدعم المعنوى عندما يقوم الأمريكيون بالأمور على طريقتهم، وتحليلها للأحداث الماضية دون التفكير بالقدر الكافى فى كيفية تصحيح الأمور فى المستقبل، وميلها للكلام أكثر من الأفعال.
وبالتالي، فقد فضّلتُ السياسة الخارجية الأمريكية لأنهم على الأقل يعالجون المشكلات التى لا يرغب غيرهم فى الاقتراب منها.
ولكن فى أوج الصراع السورى وبعد عدة خطابات للرئيس باراك أوباما، تفهمت فجأة مشكلة هذا الرئيس الأمريكى وسياسته الخارجية، فقد بدأ وكأنه سياسى ألماني، لا يملك إلا الغضب الأخلاقي، والقليل من الفعل لإنهاء واحدة من الحروب الأهلية المدمرة فى عصرنا، وللأسف، أصبح أوباما أوروبيا.
ولم تعد لكلمة حكومة أوباما المفضلة “غير مقبول” أى معنى حقيقي، وهى بالتأكيد لا تعنى أن الولايات المتحدة سوف تحاول تغيير ما يبدو “غير مقبول”.
وتعتقد أحد مراكز الفكر أن الرئيس أوباما لا يقوم سوى بتنفيذ رغبة الشعب من خلال البقاء خارج الصراعات التى تدور حول العالم، فبعد حربين، يشعر الأمريكيون بالإرهاق، لذا فالمنطق يقول إنهم يحتاجون فترة راحة من العالم، وعندما تتعافى الدولة اقتصاديا ومعنويا سوف تعود إلى دورها العالمى المعهود.
أو ربما لا تعود، فكما أوضح بيتر بينارت أوائل هذا العام فى صحيفة “ناشونال” أن الأمريكيين أصبحوا أوروبيين فى كثير من الجوانب بدءا من مواقفهم من الرعاية الاجتماعية مثل تزايد قبولهم لمشروع أوباما للرعاية الصحية “أوباما كير” حتى الديانة والسياسة الخارجية.
وتشير استطلاعات الرأى أن الأمريكيين غير راضين عن سياسة أوباما الخارجية، ولكنهم مازالوا حذرين بسبب التكاليف التى يتضمنها المزيد من الانخراط فى العالم، وهذا يبدو أوروبيا بالكامل، يريدون أن يكون لهم كعكة واحدة وأن يأكلوها كلها فى وقت واحد.
وأدى استعجال حكومة أوباما فى الخروج من العراق والترتيب مع الإيرانيين فى تنصيب رئيس الوزراء نورى المالكى بعدما خسر الانتخابات فى 2010، وعدم مواجهته بقوة بشأن سياساته المناهضة للسنة إلى تقويض التقدم الذى حققته القوات الأمريكية ودفعت فيه الغالى والنفيس.
ثم جاء الإهمال فى سوريا، فعلى مدار سنوات، حذر خبراء الشرق الأوسط من أن الحرب الأهلية فى سوريا لن تكون مقتصرة على الدولة فقط بل سوف تمتد أثارها إلى الدول المجاورة، ولكن أوباما تراجع، واستخدم الخطابات والتحذيرات وتجاهل آراء الخبراء، حتى الآن فقد كانوا على حق، فالأزمة فى العراق هى نتيجة مباشرة لاستراتيجية أوباما لتجنب المواجهة.
ورغم الترحيب بدبلوماسية أوباما الناعمة وتجنبه المواجهة فى البداية بعد سنوات نقيضه جورج بوش الابن، فإن بعد خمس سنوات اتضح أن القوة الناعمة لا يمكن أن تحل محل القوة الخشنة، بل على العكس، فالقوة الناعمة مجرد أداة تكميلية للسياسة الخارجية ولا يمكن أن تؤتى بثمار إلا إذا كانت مدعومة بقوة وإرادة سياسية جاهزة للتوظيف عند الضرورة.
وفى النهاية، فإن نجاح أى سياسة خارجية لا يتوقف على عدد الخطابات اللطيفة والمقنعة التى يقوم بها القائد، وإنما على نجاحه فى تسيير الأمور بطريقته، وفى هذا الصدد، كانت سياسة أوباما الخارجية منخفضة التأثير غير كافية.
وإذا ابتعدت أمريكا عن المشهد، هناك الكثيرون سوف يملأون الفراغ مثل بشار الأسد وحزب الله وإيران وروسيا، وتكبر قائمة الجهات والدول التى تعمل بنشاط ضد المصالح الأمريكية والأوروبية، وتفلت بأفعالها.
وأراد باراك أوباما أن تتعلم أمريكا من منهج القوة الناعمة فى أوروبا، ولكن بينما يكره الأوروبيون الاعتراف بذلك، فإنهم يعرفون أن القوة الناعمة الأوروبية لا تفلح فى كثير من الأحيان، وهى رفاهية يتمتعوا بها بسبب وجود القوة الخشنة الأمريكية فى الخلفية، ويعلمون أنهم عندما يخفقون، فأمريكا ستصلح الوضع.
وهنا يكمن الدرس لأصدقائنا الأمريكيين الذين يريدون أن يكونوا أقل مشاركة وأوروبيين أكثر وهو أنه لا يوجد أمريكا أخرى تدعمهم إذا أخفقوا هم.
إعداد: رحمة عبدالعزيز
المصدر: جريدة نيويورك تايمز