بقلم: جولى بيسلر
مع اختلال النظام فى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا فى السنوات الأخيرة ما بين انتفاضات وصراعات مسلحة، أصبحت الرغبة فى التسلح بين مجموعة كبيرة من الأطراف اللاعبة عاملاً آخراً مزعزعاً للاستقرار.
ومع ذلك، فإن انتشار الأسلحة ليس بشيء جديد على المنطقة سواء كان ذلك من خلال جهات حكومية أو تجارة السوق السوداء، فقد تم تداول الأسلحة عبر الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لسنوات عديدة.
واتخذ انتشار الأسلحة شكلاً جديداً اليوم نتيجة نزوح السكان أو إجبارهم على الخروج أو تفكير الكثير منهم فى الانضمام إلى الحركات فى مناطق الصراع، وأصبحت المنطقة تحتوى على خليط من الأشخاص بأجندات مختلفة، وبعضهم بادر بطلب المزيد من السلاح لتعزيز مهامهم.
وأصبحت ليبيا ترسانة أسلحة للصراعات فى غرب أفريقيا وعبر المنطقة حيث انتشرت مجموعة كبيرة من الأسلحة وتباع برعاية المواطنين والميليشيات، ورغم أنه من المعروف أن الميليشيات فى ليبيا بمثابة لاعبين كبار فى تجارة الأسلحة فى المنطقة، فنادرا ما يتحدث أحد عن كيفية حصولهم على هذه الترسانة الكبيرة من الأسلحة المعقدة.
بعدما أنهى الاتحاد الأوروبى حظر تصدير الأسلحة إلى ليبيا الذى استمر 11 عاماً فى 2004، تم منح ليبيا أسلحة بقيمة 834.5 مليون يورو فى الفترة ما بين 2005 و2009.
وفى عام 2009 وحده، سمح الاتحاد الأوروبى بتصدير أسلحة بقيمة 343.7 مليون يورو، وكانت إيطاليا على قائمة المصدرين لليبيا، وتضمنت الأسلحة التى تم تصديرها إلى الدولة الشمالية الأفريقية معدات ومكونات ومواد “كيميائية وبيولوجية سامة” و”مكافحة للشغب” و”مشعة”.
وأحد أكثر المواقف تعقيدا فيما يتعلق بانتشار الأسلحة هو الصراع الدائر فى سوريا، وتعد ليبيا أحد الموردين الرئيسيين للأسلحة للمتمردين السوريين، كما قررت الولايات المتحدة مؤخرا استئناف تقديم الأسلحة إلى المتمردين “المعتدلين” بعد تعليق قصير الصيف الماضى نتيجة “تحفظات من الكونجرس”.
وجاء قرار التعليق فى 2013 بعد وقوع الأسلحة الأمريكية فى أيدى الفصائل المتشددة فى سوريا، ولكن فى ظل هذا المناخ الفوضوى وغير القانوني، كيف يمكن مراقبة حركة انتشار الأسلحة؟
وأدت عدم القدرة على تحديد المتمردين السوريين بدقة، ودور صادرات الأسلحة الأمريكية، وسوق الأسلحة الذى لا يخضع للرقابة، وحركة الأشخاص داخل وخارج الحدود إلى جعل انتشار الأسلحة عاملاً مزعزعاً للاسقرار بشكل متزايد فى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
وكنتُ قد أجريت حوارا مع كريس زامبيليس، خبير بشئون الشرق الأوسط فى شركة “هليوس جلوبال” لإدارة المخاطر، وسألته عما كان عليه انتشار الأسلحة قبل الربيع العربى وما هو عليه الآن، فقال إن السوق السوداء للأسلحة الصغيرة والخفيفة لطالما كان موجوداً فى المنطقة أما ما تغير فهو الطبيعة والنطاق.
وأوضح أن معظم دول المنطقة كانت تحت حكم أنظمة استبدادية، وهذا عادة يترجم إلى دولة بوليسية قمعية تتركز فيها الأسلحة فى أيدى أجهزة الأمن، أما بعد التمرد الشعبى وانهيار النظام أصبح انتشار الأسلحة أسهل خاصة مع انتشار العنف.
ثم سألته عن كيفية تدفق الأسلحة من ليبيا إلى مصر والدول الأخرى، فأجاب الحدود بين مصر وليبيا سهلة الاختراق وشاسعة وغير مأهولة بالسكان تقريبا مما يجعلها بيئة خصبة لشبكات التهريب، وأغرى زيادة الطلب على الأسلحة خاصة من سيناء وغيرها من المناطق التى تشهد عنفا متصاعداً المهربين من ليبيا وغيرها لمقابلة الطلب المحلي.
ويعد انتشار الأسلحة الصغيرة والخفيفة أمرا خطيرا، نظرا لسهولة وصولها نسبياً وانخفاض تكلفتها وسهولة استخدامها وكبر حجم المعروض منها، وقد يؤدى تدفق الأسلحة من ليبيا إلى تدمير المجتمعات والدول والمناطق، وبالفعل ساعدت مخابئ السلاح فى ليبيا على تسعير الاقتتال فى سوريا ومالى والنيجر وتونس وتشاد والجزائر ومصر.
إعداد: رحمة عبدالعزيز
المصدر: صحيفة «فير أوبزيرفر»