تراجع سوق السلع يدمر الطبقة الوسطى ويضعف الاقتصادات النامية
%2.9 هبوط الناتج القومى للدول الناشئة
عاشت الأسواق الناشئة لمدة ست سنوات فى عالم معروف بالسياسات التحفيزية لبنك الاحتياطى الفيدرالى الأمريكي، وتدفقت موجات من السيولة من الاقتصادات المتقدمة إلى الاقتصادات النامية، تلك السيولة التى ساهمت فى تمويل مشروعات البنية التحتية والاستثمار التجارى وانغماس المستهلكين فى المشتريات من خلال الائتمان.
ولذلك، فإن إعلان الاحتياطى الفيدرالى يوم الأربعاء الماضى نهاية برنامج التيسير الكمى يمثل نقطة تحول وقفزة إلى المجهول بالنسبة للأسواق الناشئة.
وجاء إنهاء برنامج شراء السندات الخاص بالاحتياطى الفيدرالى فى وقت عصيب بالنسبة للأسواق الناشئة، التى تعانى من العديد من الاتجاهات السلبية والمتداخلة، فالاقتصاد الصينى يتباطأ وكذلك اقتصاد منطقة اليورو مدفوعا بالطلب الألمانى الذى وصل إلى مستوى أقل من المتوسط.
بالإضافة إلى ذلك تدخل أسعار السلع، بما فى ذلك البترول والمعادن الأساسية وبعض الأغذية، مرحلة طويلة من انخفاض الأسعار، وفى الوقت ذاته ظلت أسعار الأصول ومستويات الدين فى العديد من البلدان الناشئة عند مستويات مرتفعة بعد ست سنوات من تدفقات السيولة.
وقال استراتيجى لدى الصندوق الاستثمارى “انفستك”، مايكل باور، حتى دون انخفاض أسعار السلع، يعد قيام الولايات المتحدة بتشديد السياسة النقدية مرحلة خطيرة بالنسبة للاسواق الناشئة.
وأفاد تقرير لصحيفة الفاينانشيال تايمز أن التراجع واسع النطاق فى أسعار السلع، والذى يعد عائقا للنمو بالنسبة للدول المصدرة للسلع مثل البرازيل وروسيا وشيلي، يعود جزئيا إلى الأسواق التى توقعت نهاية برنامج التيسير الكمى الخاص ببنك الاحتياطى الفيدرالي.
وعزز إنهاء برنامج التحفيز النقدى الأمريكى قيمة الدولار، الذى يتم به تسعير غالبية السلع، وارتفاع قيمة الدولار جعل السلع المسعرة بالدولار أكثر تكلفة على المشترين، وهو ما فرض ضغوطا على البائعين لخفض أسعارهم.
ويتوقع البنك الاستثمارى “نومورا” أن تنخفض أسعار سلة من السلع الأساسية والطاقة والمعادن بنسبة %10 فى الربع الرابع من العام الجارى وذلك بعد انخفاضها بنسبة %12 فى الفترة ما بين يونيو ونهاية أكتوبر، وكان أكثرها إثارة للدهشة هو الانخفاض الشديد فى أسعار البترول مع انخفاض خام برنت منذ نهاية اغسطس بأكثر %25 لينزل دون مستوى 85 دولاراً للبرميل.
وأشار كبير خبراء الاقتصاد لدى “نومورا”، روب سوبارامان، إلى أن تأثير تراجع أسعار السلع من المرجح أن يكون مدمرا بمرور الوقت ومن المحتمل أن يؤدى إلى عدم استقرار سياسي.
وقال سوبارامان، شهدت العديد من الأسواق الناشئة، خلال طفرة أسعار السلع على مدار العشر سنوات الماضية، نموا اقتصاديا قويا أدى إلى تشكيل ما يطلق عليه العديد اليوم “الطبقة المتوسطة الجديدة”، والانخفاض المستدام فى أسعار السلع يعنى انخفاضاً دائماً فى إمكانات النمو ما لم يتم تنفيذ إصلاحات، وهذا من شأنه أن يؤدى إلى عدم استقرار سياسى مما قد يكون له ردود أفعال سلبية على السياسة الاقتصادية.
ويؤدى انخفاض الأسعار بالفعل إلى تراجع توقعات النمو بالنسبة للأسواق الناشئة، ويتوقع معهد التمويل الدولى أن ينكمش الدخل القومى فى الأسواق الناشئة بنسبة %2.90 فى الربع الرابع بعد تراجعه %0.1 فى الربع الثالث مدفوعا فى الأغلب من تراجع النمو الاقتصادى فى روسيا.
وفى اقتصادات آسيا والمحيط الهادئ الناشئة، يتوقع معهد التمويل الدولى تباطؤا فى النمو ليصل إلى %6.8 فى الربع الربع، منخفضاً من %7 فى الربع الثالث، ولم ير المعهد أى ارتفاع فى النمو سوى فى امريكا اللاتينية حيث توقع ان يرتفع نموها من %1.2 فى الربع الثانى إلى %2 فى الربع الرابع من العام الحالي.
ويرى العديد من المحللين أن مستقبل الأسواق الناشئة يعتمد على الخطوة المقبلة التى سيتخذها الاحتياطى الفيدرالي، فإذا اتجه سريعاً نحو سياسة نقدية أكثر تشددا التى من شأنها أن تؤدى إلى رفع أسعار الفائدة الأمريكية، فالعواقب ستكون وخيمة على الأسواق الناشئة.
ورغم كل تلك الإشارات السلبية، فهناك بريق أمل، إذ يؤدى انخفاض أسعار السلع الأساسية إلى الحد من الضغوط التضخمية فى العديد من بلدان العالم الناشئة، مما يعطى البنوك المركزية الحرية فى الحفاظ على سياسة نقدية فضفاضة، وبينما يسدل بنك الاحتياطى الفيدرالى الستار على برنامج شراء السندات، فلا يزال بنك اليابان مشغولا بشراء السندات الحكومية، وربما يحذو البنك المركزى الأوروبى حذوه إذا استمر النمو فى منطقة اليورو مخيبا للآمال، فعصر وفرة السيولة لم ينته بعد.