بقلم: جيدوين راتشمان
فى كل مرة تعقد فيها إسرائيل انتخابات، تذكر نفسها والعالم بأنها تتعرض لانتقاد شديد بسبب عملياتها العسكرية فى غزة، وأنها الدولة الديمقراطية الوحيدة فى الشرق الأوسط.
ولكن تقع قوة الديمقراطية الإسرائيلية محل تساؤل فى الانتخابات المبكرة التى تمت الدعوة لها والمزمعة فى مارس المقبل.
والتهديدات التى تواجه الديمقراطية الإسرائيلية ليست بسيطة أو واضحة، فالإعلام حر، والتصويت نزيه، والنقاش حيوي، ولكن يوجد قضايا أكثر خفاء ينبغى أن تثير قلقاً حقيقياً، وهناك أربع مشكلات بالأخص تستدعى الانتباه.
الأولى هى استمرار بناء المستوطنات فى الأراضى الفلسطينية المحتلة، والثانية هى القوانين المقترحة لتكريس يهودية دولة إسرائيل، والثالثة هى انفصال إسرائيل بشكل متزايد عن الديمقراطيات الغربية، وأخيراً، عدم التسامح وتهديد هؤلاء من يخرج عن «الإجماع الوطني» فيما يتعلق بقضايا الأمن والإرهاب.
وتتمثل إحدى المجادلات التى تبنتها إسرائيل لمقاومة حل الدولتين فى أن ضم الضفة الغربية للأراضى الفلسطينية بشكل رسمى سوف يهدد الهوية اليهودية بجانب أنه غير قانوني، وفى الوقت نفسه تسعى إسرائيل لفرض حل «الدولة الواحدة» بحيث يشكل اليهود أغلبية سكانية بفارق ضئيل فى دولة «إسرائيل الكبرى» الآخذة فى التوسع.
وعلاوة على ذلك، تعلو أصوات متزايدة فى اليمين الإسرائيلى وتطالب علناً ورسمياً برغبتها فى ضم أجزاء من الضفة الغربية، وهؤلاء يواجههم اختيار ما بين الأرض والديمقراطية، ولكن يبدو أنهم اختاروا الأرض.
وأكّد نافتالى بينيت، أحد النجوم الصاعدة فى السياسة الإسرائيلية، ورئيس حزب الوطن اليهودى الوطني، ووزير الاقتصاد، مؤخراً فى جريدة «نيويورك تايمز» أن إسرائيل ينبغى عليها ضم حوالى %55 من الضفة الغربية، وادعى بأن هذا الضم متماشى مع الديمقراطية لأن الفلسطينيين البالغ عددهم 80.000 والمقيمين فى هذا الجزء سوف يتم إعطائهم الجنسية الإسرائيلية، أما الملايين المتبقية فسوف يتم إعطائهم حقوق محدودة للحكم الذاتي.
ولكن، حرمان الفلسطينيين من قوميتهم وسيادتهم، وإعطاءهم الحق فى جمع القمامة الخاصة بهم لا يتوافق مع تعريف الكثيرون للديمقراطية.
ويظهر الصراع بين الأفكار الصهيونية والمبادئ الديمقراطية أيضاً فى إذا ما كان يجب على إسرائيل إعلان نفسها رسمياً كدولة يهودية، وأطلق الاقتراح بأن العرب المقيمين فى إسرائيل والبالغ عددهم حوالى 1.6 مليون سيكونون مواطنين من الدرجة الثانية، نتيجة هذا القانون صفارات الإنذار حتى بين أشد المؤيدين لإسرائيل.
وأصدرت رابطة مكافحة التشهير فى أمريكا، التى لا لبس فى دفاعها عن إسرائيل، بياناً متألماً يشير إلى أن القانون «قد يتم إظهاره على أنه محاولة لاختزال الطابع الديمقراطى لإسرائيل لصالح الطابع اليهودي».
ويؤكد الكثيرون من عرب إسرائيل أنهم بالفعل مواطنين من الدرجة الثانية، وتم وقف حنين الزعبي، العضو العربى فى الكنيسيت، عن العمل مؤقتاً، عندما نادت بعقوبات ضد إسرائيل، وعندما شككت فى أن مختطفى الثلاثة مراهقين الإسرائيلين (الذين قتلوا فيما بعد) «إرهابيين».
ويدعم رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، المقترحات بمشروع قانون يسمح للبرلمان بطرد الأعضاء الذين يعتبرون مؤيدين لـ «حرب ضد إسرائيل بشكل دائم، وأصبحت تلك الأفكار شائعة هناك، بل أظهر استطلاع رأى أن %89 من المواطنين الإسرائيليين يؤيدون انتزاع الجنسية من الزعبي.
وفى هذه الأجواء المشحونة، تجد إسرائيل نفسها لا تتفق على نحو متزايد مع الديمقراطيات الغربية، وأصبحت مزاعم معاداة السامية فى أوروبا والكرة المقنعة للرئيس باراك أوباما هى الموضوعات المتداولة فى اليمين الإسرائيلي.
وبالتالى تتجه إسرائيل بشكل متزايد إلى بناء تحالفات مع العالم الاستبدادي، فقد سمعت ساسة إسرائيليين كبار من اليسار واليمين يؤكدون أن الغرب كان شديد القسوة على الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، كما سعت حكومة نتنياهو وراء تأسيس علاقة خاصة مع الصين التى استثمرت 7 مليارات دولار فى إسرائيل، خاصة فى قطاع التكنولوجيا المتقدمة.
ودفعها خوفها من إيران إلى بناء تحالفات مع الأنظمة السنية الديكتاتورية، وانتقدت كارولين كليج، كاتبة إسرائيلية يمينية، ما اسمته »الهجمات العنيفة المتزايدة من البيت الأبيض» على إسرائيل، ودعت الحكومة بتعزيز تحالفاتها مع مصر والأردن والسعودية.
ومع ذلك، فإن هذه الأفكار مضللة، فأصدقاء إسرائيل المدعين فى السعودية لا يسمحون للإسرائيليين بوضع أقدامهم على أراضيها، كما أنه فى حال تعرض إسرائيل لتهديد وجودى حقيقي، ستهب أمريكا لمساعدتها بلا شك، بينما لن تحرك الديكتاتوريات العربية ساكناً، وإذا سمحت إسرائيل بتفكك الروابط مع الحلفاء الغربيين، فسوف تفقد روحها وأمنها.
إعداد: رحمة عبدالعزيز
المصدر: الفاينانشيال تايمز