يرى تقرير لصحيفة “الجارديان” البريطانية أن الأزمة الاقتصادية الروسية سوف تستمر وتتكرر مرارًا، بسبب الاعتماد الكبير على النفط كمصدر للإيرادات الحكومية.
وقد قال الرئيس الروسي “فيلاديمير بوتين” خلال خطاب الأسبوع الماضي: إنه من غير المنصف أن يطلق على التراجع الكبير في أسعار “الروبل” مصطلح أزمة اقتصادية، مشيرًا إلى أن المشكلة سوف تُحل خلال عامين من الآن.
وأشار التقرير إلى أنه بالنظر إلى مواقف أخرى شهدتها روسيا، فإن الوضع الحالي أفضل، حيث شهدت البلاد في عام 1941 شكوكًا في فكرة التواجد ذاته (الحرب العالمية الثانية)، كما شهدت مجاعة قام بها “جوزيف ستالين” في أوكرانيا في عامي 1932 – 1933، ولكن بالمعايير الحديثة فإن موسكو تواجه أزمة.
وفي وقت سابق وحتى قبل الاضطرابات الأخيرة للعملة، توقع البنك المركزي الروسي انكماشا في الاقتصاد بنحو 4.5% خلال العام المقبل.
ويعود تفاؤل “بوتين” بشأن الاقتصاد الروسي إلى افتراض أن أسعار النفط العالمية سوف ترتفع من جديد، بدعم من أن الهبوط في أسعار الطاقة سوف ينعش إنفاق المستهلكين، والاستثمارات حول العالم.
وأوضحت “الجارديان” أن اعتقاد الرئيس الروسي صحيح بشكل كبير، حيث إن الانتعاش الاقتصادي عادة ما يترافق مع هبوط أسعار النفط، لذا فهناك فرصة جيدة لأن يرتفع الناتج الإجمالي العالمي بشكل أكبر من المتوقع خلال العام المقبل، وهو ما سيقود إلى طلب أعلى على النفط، وبالتالي إلى دفع الأسعار لمستوى أعلى.
ويعتقد بعض المحللين أن الهبوط الحاد في أسعار النفط خلال النصف الثاني من العام الجاري كان “مبالغا فيه”، مشيرين إلى أن أسعار النفط ستتعافى وتصل لمستوى 80 دولارًا للبرميل خلال العام المقبل.
ويعتقد التقرير أن الارتفاع المتوقع في أسعار النفط قد يكون جيداً بالنسبة لروسيا على المدى القصير، بسبب اعتمادها على قطاع الطاقة، ولكن على المدى البعيد فإنه من الأفضل لموسكو أن يظل النفط عند مستويات منخفضة، لدفع البلاد إلى معالجة بعض التحديات الاقتصادية التي تجنبتها خلال العقدين الأخيرين من الزمن.
وتكمن المشكلة في أن روسيا تعد من الدول الغنية بالموارد، حيث تمتلك احتياطيات غزيرة من النفط والغاز، كما لديها احتياطيات معدنية كبيرة وغابات ضخمة، ولكنها لا تمتلك قطاعا صناعيا حديثا.
وترتكز الصناعات الروسية على المعدات القديمة، حيث فشلت البلاد في الاستثمار في أي من رأس المال البشري أو المادي، ولذا فإن 80% من صادرات البلاد تعتمد على النفط والغاز الطبيعي، معدات معدنية، وخشبية ودفاعية، بحسب التقرير.
واختلف الوضع الاقتصادي الروسي منذ الأزمة العالمية في عام 1998، حيث شهدت البلاد آنذاك خروجًا كبيرًا لرؤوس الأموال وهو ما اضطر الحكومة إلى العمل على تحقيق فائض في الحساب الجاري، لتقوم بالتصدير أكثر من الاستيراد، في محاولة للاحتفاظ بالتوازن في ميزان المدفوعات.
وتابع التقرير: “في حين أن الهبوط الحاد في أسعار النفط يجعل هذا الأمر مستحيلا، وارتفاع العجز في الميزان التجاري يلقي بظلاله على قيمة العملة المحلية”، مشيرًا إلى أن إعادة التوازن لميزان المدفعوات يتطلب القيام بعملية تقشف محلي ثقيلة مصممة من أجل تقييد الواردات.
ومع ارتفاع أسعار النفط لتتجاوز مستوى 100 دولار للبرميل في عام 2013 كان بمقدور روسيا أن تسجل فائضاً في الموازنة والحساب الجاري، ولكنها لم تهتم بحقيقة مدى تزايد اعتماد الاقتصاد على قطاع الطاقة، ومع هبوط النفط من مستوى 115 دولاراً إلى 60 دولارًا للبرميل خلال النصف الثاني من العام، فإن المشكلة القديمة عادت من جديد مع وجود فائض منخفض في الحساب الجاري لا يكفي لتغطية الخسائر في حساب رأس المال، والذي قدر بنحو 125 مليار دولار.
وأوضح التقرير أن “الروبل” تعرض للضغط الشديد خلال الفترة الماضية بسبب غياب الجهود اللازمة لإعادة التوازن وتحديث قطاع الصناعات التحويلية، والاستثمار في آليات ومهارات جديدة، وهو ما يشير إلى استمرار الأزمة الروسية كلما شهدت أسعار النفط تراجعًا.