غياب الرؤية الاقتصادية والحروب الدينية يزيدان المخاطر فى المنطقة
سيذكر التاريخ العام المنقضى، أنه واحد من أكثر الأعوام اضطراباً فى الشرق الأوسط، وزمن للانحطاط السياسى والأوهام المحطّمة، وأكثر مناطق العالم ندرة من السلام الاجتماعى، حيث هزّ العالم العربى فى 2014 أزمات تهدد وجوده حيث تتعرض حدود الدول القومية التى أنشأتها القوى الاستعمارية بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى لهجوم شرس، وتحطمت أحلام الشباب على أعتاب أنظمة قمعية فشلت فى خلق مزيد من الحكومات السياسية الديمقراطية بحسب تقرير لصحيفة فاينانشيال تايمز البريطانية.
وبحلول نهاية العام، انغمست أربع دول عربية فى الحرب، هى العراق وسوريا وليبيا واليمن، مع استمرار نزيف قطاع غزة جرّاء الصراع الأخير مع الاحتلال الإسرائيلي، فى الوقت الذى يكافح فيه لبنان والأردن لاحتواء موجات تدفق اللاجئين السوريين.
وواجهت الدول العربية خلافاتها العميقة كصدى لأزمات دول الربيع العربى، حيث انقسمت دول الخليج بشأن التعامل مع الملف الأمنى والسياسى فى المنطقة، كما حدث من قبل إثر تضارب المواقف إزاء إطاحة الجيش بمحمد مرسى أول رئيس منتخب فى مصر فى 3 يوليو 2013.
وظهر دور المملكة العربية السعودية فى رأب صدع الصراع السياسى فى الخليج، حيث تدخلت الرياض لتطبيع العلاقات بين الإمارات العربية وقطر بدعم من الكويت.
وتقول الـ«فاينانشيال تايمز»، إنه رغم عودة الحكومة الاستبدادية فى مصر، والتى وصفتها بأنها أكثر قمعاً من نظام مبارك، الذى أزاحته ثورة يناير 2011، فإن الرياض أدارت ببراعة عملية إعادة ترسيم علاقة النظام الجديد فى القاهرة مع دول الخليج خصوصاً قطر.
من جهة أخرى، اضطرت الحكومات العربية إلى التعامل مع دور الولايات المتحدة المحدود بجانب القلق المستمر بشأن نفوذ إيران فى المنطقة، ولكن المشاحنات استمرت كأكبر العوائق بين الدول العربية من أى وقت مضى، بالإضافة إلى عدم وجود رؤية مشتركة.
واستقر الربح الرئيسى من الاستقرار النسبى فى الاقتصادات الخليجية الغنية بالبترول، حيث غذى النمو ارتفاع أسعار الطاقة وبرامج الإنفاق الحكومى السخية، واستعادت دبى دورها كمنقطة جذب للعرب من المناطق المضطربة الأخرى، وخرجت من أزمة ديونها مع تقرير يؤكد طموحها كمركز إقليمى للأعمال.
وبحلول نهاية العام، بدا من المرجح أن يتعكر المزاج، وتم تثبيط التوسع فى الاقتصادات التى تعتمد على البترول جرّاء الانتكاسة الحادة فى أسعاره.
جاء ذلك فى الوقت الذى توالت فيه الأخبار الجيدة من شمال أفريقيا، حيث نجح التحول الديمقراطى فى تونس بإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية حرة، واندفع المغرب نحو تحويل نفسه إلى مركز تمويل فى أفريقيا جنوب الصحراء، وأصبح نقطة مضيئة فى المنطقة.
وأوضح التقرير، أن تنظيم الدولة الإسلامية طرح اختباراً أكثر دراماتيكية للعالم العربى منذ استيلائه على الموصل، ثانى أكبر المدن العراقية فى يونيو الماضى، وبعدها انصهر ملف الحرب الأهلية فى سوريا مع الصراع الطائفى فى العراق، وهو ما ينذر بالخطر الكبير على باقى دول المنطقة.
وأثار عودة ظهور الجماعات التى تنادى برفع راية الجهاد الغضب الإقليمى والدولى، الأمر الذى استدعى عودة الولايات المتحدة مرة أخرى إلى المنطقة، مستخدمة غارات جوية فى العراق وسوريا بالتعاون مع عدوها اللدود ايران.
وبانتهاء 2014، تم القضاء على التفاؤل بإمكانية التحول السياسى فى المنطقة العربية جرّاء الثورات الشبابية التى اندلعت فى 2011، وحل محله القلق بشأن العنف المسلح وحالة عدم اليقين بشأن ما ينتظرها فى المستقبل.