بقلم: بيل شنايدر
يلعب المتحدث باسم البيت الأبيض جون بوينر الجمهوري، ورئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، لعبة خطيرة تهدد بتحويل إسرائيل لقضية حزبية خلافية إلى حد بعيد.
ويحشد بوينر ونتنياهو قواهما لإضعاف الرئيس باراك أوباما، فدعوة بوينر لنتنياهو لإلقاء خطاب فى الكونجرس دون استشارة البيت الأبيض أولاً، تشير إلى انتقامه من الأوامر التنفيذية التى أصدرها الرئيس فى الآونة الأخيرة بشأن الهجرة وغيرها من الأمور.
وبقبول الدعوة، يضع نتنياهو نفسه فى معسكر المعارضين لأوباما، وبسبب هذا التصرف الذى يظهر عدم الاحترام للرئيس، يشعر الجمهوريون بالسعادة، والديمقراطيون بالإهانة.
وأصبحت تقريباً كل القضايا فى السياسة الأمريكية حزبية، فالديمقراطيون والجمهوريون لا يستطيعون الاتفاق بشأن الضرائب، والتعليم، وإذا ما كان التغير المناخى بسبب النشاط الإنسانى أو حتى بشأن أداء الاقتصاد.
أما إسرائيل فقد كانت قضية غير حزبية نسبياً، ولم يظهر الأمريكيون تعاطفاً كبيراً مع القضية الفلسطينية على الإطلاق، وما زالوا لا يفعلون، فخلال الحرب على غزة الصيف الماضي، تعاطف %14 فقط من الأمريكيين مع الفلسطينيين أكثر من الإسرائيليين، طبقاً لاستطلاع رأى أجراه مركز «بيو» للأبحاث.
وتعاطف %51 مع إسرائيل، أما أكثر من ثلثى الأمريكيين فقالوا إنهم تعاطفوا مع الجانبين، أو لم يتعاطفوا مع أحد، أو ليس لهم رأي.
ويزداد تعاطف الرأى العام مع إسرائيل منذ 2002، طبقا لـ«جالوب» لاستطلاعات الرأي، ولكن هذا يرجع إلى حد كبير إلى نمو الاتجاه المؤيد لإسرائيل بين الجمهوريين، فمنذ عام، وصل تأييد إسرائيل بين صفوف الجمهوريين إلى %81، بينما كان أقل بكثير بين الديمقراطيين (%58)، والمستقلين (%56).
وأصبح الجمهوريون رسمياً مؤيدين لإسرائيل، بينما الديمقراطيين أكثر انقساماً، وهذا الانقسام ليس مؤيدى إسرائيل مقابل مؤيدى الفلسطينيين، حيث إن عدداً قليلاً من الديمقراطيين متعاطفون مع الفلسطينيين (%17 فى استطلاع «بيو»)، وإنما هو خلاف بشأن سياسات الاحتلال التى يرى المنتقدون أنها تنتهك حقوق الإنسان.
وهناك مكان واحد، حتى الآن، فى السياسة الأمريكية لطالما كان محصناً ضد الانقسام الحزبى بشأن إسرائيل وهو الكونجرس، ولطالما كان أعضاء الكونجرس الديمقراطيون مؤيدين لإسرائيل بقوة بقدر زملائهم الجمهوريين، واقتصر انتقاد إسرائيل فى الكونجرس على اليمين واليسار المتطرفين.
وقد يجادل البعض بأنه بدون الكونجرس، لن يكون لإسرائيل وجود، ومنذ عام 1967 فى الشرق الأوسط، وقعت مواجهات بين كل رئيس أمريكي، جمهورياً كان أم ديمقراطياً، وإسرائيل، باستثناء الكونجرس الذى كان موجوداً دائماً لنجدة إسرائيل، وتعلم المؤسسات المؤيدة لإسرائيل ذلك، وهذا سبب تركيز عمليات الضغط دائماً داخل الكونجرس.
ويلعب نتنياهو بورقة سياسية هنا، فإسرائيل لديها انتخابات بعد أسبوعين من خطاب نتنياهو فى الكونجرس فى مارس المقبل. وكتب المحلل السياسى الإسرائيلي، ناحوم برنيع، إن الجمهوريين يساعدون نتنياهو على هزم منافسيه هنا، وهو يساعدهم على إذلال منافسيهم هناك، وحذر برنيع من أن هذا خطير ومضر.
وعلى الراديو الإسرائيلي، وصف شيلى يحيموفيتش، أحد أعضاء المعارضة فى البرلمان الإسرائيلي، تجاوز الرئيس بأنه بربرى وغير مقبول، مضيفاً أن هذا الأمر يمكن أن يدمر إسرائيل.
وبالطبع، سيكون أعضاء الكونجرس الديمقراطيون فى صفوف المستمعين المصفقين لخطاب نتنياهو، ولن يرغبوا فى رد الإهانة من خلال إذلال إسرائيل، ولكنهم من الداخل مستاءون مما يفعله بوينر ونتنياهو.
وهذا الاستياء من المرجح أن يظهر للعلن فى حالة انهيار المفاوضات النووية مع إيران وسحب الولايات المتحدة إلى حرب على الأرض فى الشرق الأوسط بضغط من إسرائيل.
ومن المرجح أيضاً أن جميع المنضمين للحزب الديمقراطى شعروا بالإساءة بعد إهانة رئيسهم، وتكمن الخطورة فى تآكل تأييد إسرائيل بين صفوف الديمقراطيين، وأن ينهار الإجماع المؤيد لإسرائيل داخل الولايات المتحدة.
وقال سفير أمريكى سابق لصحيفة «نيويورك تايمز»، إن نتنياهو يستغل الكونجرس الجمهورى فى حملته الانتخابية، والجمهوريون يستخدمونه فى حملتهم المناهضة لأوباما.
ويتدخل كل من بوينر ونتنياهو فى الشئون السياسية لبلد آخر، وليس من الحكمة أبداً أن يفعلوا ذلك.
إعداد: رحمة عبدالعزيز
المصدر: وكالة أنباء رويترز