لا مفر من التقدم فى السن، ويبحث مجتمع الاستثمارات عن طرق جديدة لجنى الأرباح من «الاقتصاد الفضى» نسبة إلى الشعر الأشيب، وقامت صحيفة «فاينانشيال تايمز» بدراسة تغير أنماط الإنفاق والادخار لكبار السن، فلم يعد ينظر مواليد فترة طفرة المواليد من 1946 إلى 1964، بعد الحرب العالمية الثانية، لأنفسهم على أنهم قرب النهاية، بل يرون أنهم أصغر بعشر سنوات، مقارنة بنظرة آبائهم لأنفسهم.
كما رصدت الصحيفة البريطانية اتجاه الشركات من مختلف القطاعات لتلبية احتياجات كبار السن الجدد، خاصة أنهم أكثر فئات المجتمع إنفاقاً، وأصبحت هناك طرق مبتكرة لتسويق المنتجات المخصصة لهذه الفئة دون التصريح بأنها مخصصة لمرحلة الشيخوخة.
المسنون يمولون عصراً جديداً من الإنفاق فى العالم المتقدم
والشركات الكبرى تستغل قوتهم الشرائية
يعيش معظم البالغين من العمر 64 عاماً اليوم فى الاقتصادات المتقدمة حياةً رغيدةً، ويتمتعون بصحةٍ جيدةٍ، وتطول أعمارهم بمتوسط عشر سنوات عن أجدادهم.
وهؤلاء الأفراد هم الذين ولدوا فى فترة طفرة المواليد، بعد الحرب العالمية الثانية ما بين عام 1946 و1964، وأصبحوا يمثلون قوةً استهلاكيةً هائلةً، وتستهدفهم الشركات من مختلف القطاعات، بل أصبح يطلق عليهم فئة الاقتصاد الفضي، نسبة إلى شعرهم الأشيب.
وقالت صوفى شميت، أحد مؤسسى شركة «سونيوفير» الاستشارية، لجريدة الفاينانشيال تايمز، إن مواليد فترة الطفرة يختلفون عن جيل السبعين عاماً، وما فوقه، فهم يعتبرون التقدم بالعمر يتطلب أسلوب حياة أفضل، على عكس أسلافهم الذين اعتبروه قرب النهاية.
وأدت صحتهم الجيدة وطول أعمارهم إلى تزايد رغبتهم فى الإنفاق، وتتوقع شركة «يورومونيتور» للبيانات والأبحاث، أن تصل القوة الإنفاقية لهؤلاء فوق سن الـ60 إلى 15 تريليون دولار بحلول 2020.
ولهذه الأنباء أصداء جيدة للشركات الاستهلاكية، وقال شون باول آجون، المدير التنفيذى لشركة «لوريال» لمستحضرات التجميل، إن هذه المرة الأولى التى سيحتوى العالم على عدد كبير من الأشخاص المتجاوزة أعمارهم 65 عاماً، مضيفاً أن فترة استهلاك هذه الفئة تطول أكثر، وبالتالى فهم بمثابة فئة إضافية من السكان.
وتعتقد أليسون ساندر، مديرة فى مركز «بوسطن» الاستشارى فى قسم استشعار واستكشاف المستقبل، أنه رغم تطور قطاع البضائع الاستهلاكية بسرعة، فإنه لا يزال بطيئاً فى الاستجابة لمطالب المستهلكين الأكبر سناً.
وقد تم بالفعل تطوير منتجات لكبار السن، ولكن تحت عنوان العجز وسوء الحالة الصحية مثل أطقم الأسنان، وحفاضات كبار السن، وصبغات الشعر، ولم يتم استحداث منتجات ذات رواج لكبار السن الأصحاء.
وتواجه شركات البضائع الاستهلاكية مشكلتين كبيرتين فى استهداف المستهلكين الأكبر سناً، أولاهما، أن هذه الفئة السكانية ضخمة للغاية، ولديها أذواق واهتمامات لا تعد ولا تحصى، وبالتالى فإن التوصل لأفكار تلقى روجاً عالمياً صعباً.
وأحد أكثر المجالات التى يمكن الاستفادة منها هو التعبئة والتغليف. وقال بيير أندريه تريسيه، المدير المالى فى شركة «دانون»، إنه اكتشف كم كان من الصعب حمل كبار السن زجاجات المياه المعدنية الثقيلة التى تنتجها الشركة، وكيف كان من الصعب التمييز بين الزبادى بالتوت أو الكريز.
وأضاف أن الدرس المستفاد من هذا أنه ينبغى الاهتمام بهذا عند تغيير شكل المنتجات، وإلا سيخسرون المستهلكين الأكبر سناً إذا وجدوا صعوبة فى شراء تلك المنتجات.
واهتمت شركة «نستله» السويسرية بالمصابين بالتهاب مفاصل الأيدى، عندما أعادت تصميم عبوة «نسكافيه جولد» فى استراليا، وجعلتها منحنية من الوسط بحيث يسهل حملها، وصنعت غطاءها من ورق الفويل سهل الفتح.
أما فى بريطانيا، فقد أعادت الشركة السويسرية تصميم صندوق شيكولاتة «بلاك ماجيك»، والتى تعود لعام 1930، وقامت بتكبير حجم الخط على الغلاف، وأعادت ترتيب الشيكولاته، بحيث تتطابق مع الصور على الغطاء، كما جعلت تجويفات الشيكولاته أعرض لسهولة التقاطها بالأصابع.
كما توسعت شركات المواد الغذائية فى إنتاج المواد الغذائية الطبية، فقد قدمت شركة «دانون» مشروب «سوفينايد»، والذى يقدم العناصر الغذائية الضرورية للمصابين بألزهايمر، أما شركة «نستله»، فقد أطلقت حليب «ييانج» فى الصين للعناية بصحة القلب والأوعية الدموية.
وقال ناووكى إزوميا، المدير التنفيذى لشركة «أساهي للمشروبات» ، إن أسنان كبار السن أضعف بكثير، وليس لديهم قوة القضم التى يتمتع بها الأصغر سناً، لذا فقد تبنينا تكنولوجيا غذاء الأطفال لكبار السن.
أما التحدى الثانى أمام الشركات الاستهلاكية، حسبما قالت ساندر، فهو كيفية تسويق المنتجات للمستهلكين الأكبر سناً، خاصة أن مواليد فترة طفرة المواليد لا يعتبرون أنفسهم عجائز، بل ينظرون لأنفسهم على أنهم أصغر بـ10 إلى 15 عاماً من عمرهم الحقيقي. وأضافت أن المنتجات التى يتم تسويقها علناً للأفراد الأكبر سناً تخاطر باستبعاد الأصغر سناً.
وقال ماساخيكو أتاني، المدير التنفيذى لشركة «شيسيدو» لمستحضرات التجميل، إنه يبلغ من العمر 60 عاماً، ولن يحب أن يشترى منتجاً يستهدفه ويتم الترويج له على أنه لكبار السن، بينما أضاف ضاحكا إنه سوف يشتريه إذا تضمنت الرسالة الإعلانية إن المنتج موجه لشخص خبير ومميز ولديه القدرة على معرفة الأشياء الجيدة.
وقالت شميت من «سينيوفير» إن هناك طرقاً ضمنية عديدة يمكن من خلالها تسويق المنتجات للأكبر سناً من خلال استخدام إشارات مثل الموسيقى أو أى رمز من رموز طفولة هذا الجيل، وهذه الأساليب يكون لها تأثير ولا تكون واضحة فى الوقت نفسه.
كبار السن هم شريان الحياة الجديد للقطاع المصرفى والاستثمارى
منذ بضع سنوات، اتضح أن بنك «إتش إس بى سي» يبيع سندات استثمارية طويلة الأجل، قد لا يحصل العملاء المسنون البالغون 93 عاماً من العمر تقريباً على عائداتها، وكانت فضيحة لسمعة أكبر بنك بريطانى، وتغريمه 10.5 مليون جنيه استرليني، وتكشفت منذ ذلك الحين قصص مماثلة فى بنكى «سانتاندر» و«باركليز»، الأمر الذى ردع المقرضين عن الاهتمام بهذه الشريحة من السكان.
ويقول ستيف بيتمان، رئيس فرع العمليات المصرفية فى بنك «سانتاندر»، هناك خطر ناجم عن عدم حصول الجيل الأكبر سناً على الخدمات المصرفية الكافية؛ لأن العقوبات التنظيمية باتت شديدة جداً وهو ما يعد خزياً.
وأوضحت صحيفة «الفاينانشيال تايمز» فى تقرير لها، أن التوقعات الأكثر قتامةً للأرباح فى أعقاب الأزمة المالية العالمية وحل التكنولوجيا الجديدة محل الطرق القديمة فى الأعمال المصرفية جعلا البنوك وشركات التأمين وصناديق إدارة الأصول بحاجة ماسة إلى مصادر جديدة للنمو، وفى الوقت ذاته، فإن كبار السن فى حاجة حقيقية آخذة فى الازدياد لخدمات ومنتجات مصرفية أفضل، ما كان كفيلاً بإقناع شركات الخدمات المالية بأن تضع مخاوفها جانباً.
وفى منتصف سبتمبر الماضي، دعا الرئيس التنفيذى لبنك «يونيكريدت»، فيديريكو جيزوني، لانعقاد قمة تضم 30 موظفاً من كبار موظفى البنك لسماع أفكارهم ومقترحاتهم للاستفادة من تحديات وفرص اتساع قاعدة العملاء المسنين فى بلاد تشهد إصلاحات اجتماعية جوهرية، بما فى ذلك الخفض الكبير فى نظام التقاعد الحكومى الذى يتسم بالسخاء.
وقال أحد الحاضرين، إن «قاعدة عملائنا من كبار السن تتسع، وهو ما يمثل تحدياً هائلاً وفرصةً كبيرةً أيضاً».
ولدى بنك «يونيكريديت» الآن لجنة خاصة لمتابعة تنفيذ الأفكار التى تم اقتراحها فى القمة، ففى مجال الاستشارات المصرفية الاستثمارية، يدرب البنك 2000 موظف على الزيارات المنزلية للعملاء؛ للتخفيف من الحاجة إلى زيارتهم لفروع البنك، وفى الوقت ذاته، يركز قسم إدارة الثروات على الأسر الممتدة؛ لزيادة فرص أن يصبح أطفال وأحفاد العملاء المسنين من كبار عملاء البنك عندما يكون لديهم ثروات خاصة بهم.
وأكثر الابتكارات اللافتة للانتباه فى القطاع المصرفى هو إطلاق «ميريل إيدج» لتطبيق جديد على الهواتف الذكية باسم «واجه التقاعد»، فأى عميل يستطيع الاستفادة من هذا التطبيق ومشاهدة نفسه وهو مسن على شاشة الهاتف.
ومع ازدياد أعداد العملاء من كبار السن وركود وتراجع أعداد العمال، فالسؤال الذى يشغل قطاع إدارة الثروات هو كيفية زيادة الأصول الخاضعة للإدارة وبالتالى زيادة الرسوم التى تعد مصدر الدخل الأساسى لهذا القطاع.
قطاع السياحة يستغل زيادة إنفاق المسنين على السفر مع أحفادهم
قضى قطاع النقل البحرى سنوات محاولاً إغراء المسافرين الأصغر سناً للسفر على سفنه، وكافح لإقناعهم بأن الإبحار ليس حكراً على كبار السن الباحثين عن الراحة وليس المغامرة.
والآن، أصبحت شركات النقل البحرى أكثر اهتماماً بالفرص التى يخلقها كبار السن حول العالم سواء فى العالم النامى أو المتقدم، وطبقاً لبيانات شركة «وورلد ترافيل مونيتور» للأبحاث والاستشارات، ينفق جيل طفرة المواليد 120 مليار دولار سنوياً على السفر والمتعة.
وفى الصين، تتطلع الطبقة المتوسطة سريعة النمو لخبرات جديدة، ولعطلات مناسبة للجد والجدة. وقال ديفيد دينجل من شركة «كارنيفال»، إن هناك احتراماً كبيراً جداً للمسنين فى آسيا، مضيفاً أن الناس هناك ملزمون أخلاقياً على العناية بأفراد العائلة الأكبر سناً.
وقامت شركة «ساجا» شركة السياحة والتأمين، بدرسة مسحية العام الماضي، ووجدت أن ربع الأجداد البريطانيين يقومون بعطلات مع أحفادهم، ومن بينهم خُمسَون يدفعون فاتورة الرحلة للعائلة بأكملها.
وتعد المجموعات التى تحتوى أجيالاً متعددة عطية لخطوط النقل البحرى، حيث يتم تسويق الإبحار للأجيال الأصغر دون جهد، ومع ذلك لا يأخذ الأجداد العائلة فى رحلات بحرية فقط، وإنما إلى الحدائق والفنادق أيضاً.
وتحاول مجموعة «إنتركونتيننتال» للفنادق، والتى تتضمن فنادق، «إنتركونتيننتال»، و«كراون بلازا»، و«هوليداى إن»، مواكبة الارتفاع السريع فى مجموعات الأسر الكبيرة التى يمكن أن تحجز طابقاً كاملاً من الفندق.
كما أصبح كبار السن سوقاً هائلاً لقطاع الترفيه، ووفقاً لشركة «ساجا»، ازداد الإنفاق على السياحة والسفر مِن مَن تزيد أعمارهم على 50 عاماً فى بريطانيا بنسبة %46 فى 2002، إلى %54 خلال السنوات العشر الماضية.
