تحولت تجارة الدواء إلى تجارة بآلام البشر، حيث تتحكم رغبة شركات الدواء فى تحقيق الأرباح فى تحديد خريطة الاستثمار لابتكار وإنتاج علاجات لأمراض تهدد حياة ملايين البشر بالفعل هم أسرى فى أسرة المرض يتجرعون الألم فى انتظار من يخفف عنهم فى غياب دور للحكومات. وفى ظل هذه السياسات باتت أدوية مكافحة أمراض مثل الإيدز والإيبولا لها أولوية رغم أنها تقتل سنوياً 12.8 مليون نسمة فى وقت تتسبب فيه الأمراض المزمنة فى وفاة 3 أضاعف هذا العدد سنوياً لكنها تحقق عائداً أقل لتترك 300 مليون نسمة مهددين فقط بسبب أمراض تقاوم المضادات الحيوية القديمة دون تمويل بأبحاث إنتاج مضادات جديدة لضعف العائد المادى.
أدوية فيروس سى الجديدة.. حبوب من الألماس
ارتفاع تكاليف العلاج تزيد من معاناة المرضى ..و27 مليار دولار إنفاق أمريكا السنوى
سلّط تقريران لمجلة طبية أمريكية الضوء على التكاليف الباهظة لحبوب علاج التهاب الكبدى الوبائى فيروس سى، وأضاف التقريران، أن أرباب الأعمال وشركات التأمين وحكومة الولايات المتحدة سوف يجدون صعوبة فى دفع ثمن هذه الحبوب فى السنوات قادمة.
وناقش الإصدار الجديد من مجلة الطب الباطنى، التى تصدر عن الكلية الأمريكية للأطباء، التكاليف الجديدة لعلاجات فيروس سى، التى تصل فى المتوسط إلى 27 مليار دولار سنوياً فى الولايات المتحدة، بما يعادل %10 من إجمالى انفاق الأمريكيين على الوصفات الطبية.
ونشرت مجلة الأمراض المعدية السريرية، أن حجم الطلب غير المعروف على العلاج خلق تحدّيات كبيرة للتمويل.
وقالت مجلة فوربس، فى تقرير لها، إن الدوريات الطبية لم تجادل فى كفاءة العلاج واتفقت مع أصحاب الإشادة بأنه يعتبر ابتكاراً سوف يسهم فى إنقاذ حياة المرضى، لكن تحمل تكاليف العلاج لأدوية يتم تناولها عن طريق الفم سوف يصبح مشكلة على المدى الطويل.
وذكرت فوكس نيوز، الأمريكية أن تكاليف هذه الأدوية الجديدة وتناولها عن طريق الفم سوف يسببان المشاكل على المدى الطويل.
وأكد جاجبريت شاتوال، مؤلف الدراسة، الأستاذ المساعد فى جامعة تكساس الامريكية، أن الملايين من الناس بحاجة إلى علاج فيروس سى، ومن الواضح أن المرضى لا يملكون ميزانية لتغطية هذه النفقات الهائلة.
وأشار الباحثون فى مجلة الطب الباطني، إلى أن حبوب فيروس سى، سوف تكلف النظام الصحى فى الولايات المتحدة الامريكية 136 مليار دولار ابتداءً من العام الماضى وحتى 2018.
وساهمت هذه الحبوب بنسبة كبيرة فى رفع إجمالى الإنفاق على الأدوية بلغت %13 فى الولايات المتحدة الامريكية العام الماضى، وصفتها مجموعة صيدليات اكسبريس اسكربتس بأنها أكبر قفزة منذ أكثر من عقد من الزمان.
وأفاد التقرير بأن تكلفة حبوب فيروس سى، التى تباع من قبل شركة جلعاد للعلوم، وفيكيرا باك، وأبفى، تصل إلى ألف دولار أو أكثر لكل حبة، ويصل إجمالى التكلفة لكل مريض 150 ألف دولار.
وتتفاوض بعض الشركات مثل إكسبرس سكربتس، وكارمارك، وشركات أخرى على صفقات حصرية لكسر ارتفاع تكاليف هذه الأدوية الجديدة، وفى بعض الدول تقّيد البرامج الطبية بشدة الوصول إلى مثل هذه الحبوب أو تقوم بحجبها على الإطلاق.
وأضاف شاتوال، أن الحكومة وشركات التأمين الخاصة بحاجة إلى موارد إضافية لتحقيق إدارة فعّالة لهذا الوباء لأن عملية خفض الأسعار وحدها لا تكفي.
قال جيف مايرز، الرئيس التنفيذى لهيئة تخطيط المساعدات الطبية الأمريكية، إن الاتفاق مع شركات صناعة الأدوية إيجابى، ويظهر أن بعض القوى فى السوق سوف تبدأ فى العمل على كبح جماح أسعار علاج فيروس سي.
وأضاف مايرز التى تدير مؤسسته اتفاقات تقديم الدواء بسعر مخفض للفقراء من الأمريكيين، أنه رغم ذلك هذه القوى لم تحقق شيئاً من هذا على أرض الواقع خلال عام مشيراً إلى أن الأمر يشبه شراء قطع من الألماس خلال عروض تخفيضية.
ولفت النظر إلى أن تخفيض الأسعار للفقراء وصل معدلات عظيمة جداً، ولكن حتى مع ذلك لا يزال سعر بيع دواء فيروس سى مبالغاً فيه.
ضعف تمويل أبحاث المضادات الحيوية يُعرِّض حياة 300 مليون نسمة للخطر
سلالات جديدة من البكتيريا والفيروسات تقاوم المضادات الحيوية.. والعالم يحتاج استجابة مشابهة لأزمة الإيدز
تفقد المضادات الحيوية قدرتها على محاربة الأمراض المعدية فى كل دولة فى العالم، طبقاً لبيانات منظمة الصحة العالمية، التى حذرت من أن هذا الأمر قد يكون له نتائج مدمرة على الصحة العامة، لأنه يرفع احتمالات ظهور الأمراض التى تمت هزيمتها من قبل مرة أخرى كأمراض قاتلة عالمياً.
وقالت منظمة الصحة العالمية، إن مقاومة البكتيريا للمضادات الحيوية أصبحت تشكل تهديداً كبيراً للصحة العامة، وأضافت أن هذا ليس تهديداً مستقبلياً، وإنما هو تهديد حاضر، وقد يؤثر على أى شخص فى أى مكان وفى أى مرحلة عمرية.
وقال كيجى فوكودا، مساعد الأمين العام للمنظمة المختص بالأمن الصحي، إنه دون تحركات عاجلة ومنسقة من مالكى شركات الأدوية، سوف يتجه العالم نحو عصر تعود فيه الأمراض المعدية الشائعة، والجروح البسيطة التى كانت قابلةً للعلاج إلى التسبب فى القتل مجدداً.
وأضاف فوكودا، أن المضادات الحيوية الفعَّالة تعد إحدى الركائز التى تسمح لنا بالعيش فترة أطول، وبصحة أفضل، وبالاستفادة من الطب الحديث، موضحاً أنه إذا لم يتم اتخاذ خطوات كبيرة باتجاه تحسين مجهودات منع الأمراض المعدية من التفشي، وتغيير الكيفية التى تنتج بها المضادات الحيوية، وتستخدم بها، فسوف يخسر العالم الكثير والكثير من هذه الفوائد الطبية، وستكون النتائج «كارثية».
وقال جارمن بيسوا دا سيلفا، قائد فريق بشأن المقاومة البكتيرية فى منظمة الصحة، لصحيفة «ذا جارديان» البريطانية، إن مسببات الأمراض توجد فى كل مكان، وبالتالى فهذه ليست مشكلة دولة بعينها أو منطقة منفردة، إنما هى مشكلة تخص الكوكب بأكمله.
وأضاف دا سيلفا، أنه لا تستطيع دولة واحدة مهما بلغت إمكانياتها أن تعالج هذه المشكلة وحدها، بل ينبغى أن تتعاون الدول وتناقش الحلول الممكنة.
ويبحث التقرير بالتفصيل فى سبعة أنواع من البكتيريا والفيروسات المسئولة عن الأمراض الشائعة التى يمكن أن تتحول إلى أمراض قاتلة مثل تسمم الدم، والإسهال، والالتهاب الرئوي، والتهاب المسالك البولية، والسيلان. واكتشف التقرير أن هذه الفيروسات والبكتيريا لديها مقاومة حتى للمضادات الحيوية التى تستخدم كملاذ أخير، عندما تفشل جميع المضادات الأخرى.
وتعد البيانات الأكثر إثارةً للقلق هى تلك التى جمعتها منظمة الصحة والتى تظهر أن هناك مقاومة فى كل الدول لمضادات «الملاذ الأخير» التى تستخدم فى الأمراض التى تهدد الحياة وتتسبب فيها البكتيريا المعوية الشائعة المعروفة باسم «الكلبسيلة الرئوية».
وهذا النوع من البكتيريا سبب رئيسي للأمراض المعدية التى يصاب بها بعض المرضى الضعفاء فى المستشفيات، ويمكن أن تسبب التهاباً رئوياً أو تسمماً فى الدم، وبعض الأمراض لحديثى الولادة، ومرضى العناية المركزة.
ويذكر تقرير للصحيفة البريطانية، أنه لم يتم القيام بأى أبحاث جديدة بشأن المضادات الحيوية منذ 25 عاماً، ولا تستطيع الشركات الدوائية تغطية نفقات البحث والتطوير لأن المضادات الجديدة ينبغى استخدامها بحرص خوفاً من تطور البكتيريا لمقاومتها، وبالتالى ستكون فترة فاعليتها قصيرة.
ويقول دانيللو لو فو وونج، كبير المستشارين بشأن المقاومة البكتيرية لمكتب المنظمة فى أوروبا، إن المضادات الحيوية التى تطرح فى الأسواق، ليست جديدة فعلياً، وإنما هى أشكال مختلفة من المضادات المستخدمة بالفعل، وهذا يعنى أن البكتيريا ستطور مقاومة لها بشكل أسرع.
وأضاف لو فونج، أن الكثير من حالات الفشل فى المعالجة تنتج عن تأخر العلاج، وفى بعض الأجزاء من العالم تنتج عن عدم توافر العلاج، وفى البعض الآخر تتم معالجة المرضى بعدة مضادات حيوية بشكل متتالٍ فى محاولة للعثور على المضاد المناسب، ما يزيد الخطورة بالنسبة لهم لأنهم يصبحون أكثر ضعفاً وأكثر مقاومة للمضادات.
ويسلط التقرير الضوء على المقاومة الواسعة لأحد أكثر المضادات الحيوية استخداماً لعلاج التهابات المسالك البولية التى تسببها بكتيريا «الإى كولاي»، وفى عام 1980، عندما استحدثت المضادات المعروفة بالفلوروكينولونات، لم يكن هناك أى مقاومة له، ولكن الآن أصبحت غير فعالة فى الكثير من الدول فى أكثر من نصف المرضى.
وحثت منظمة الصحة العالمية جميع الدول على الاقتصاد فى استخدام المضادات الحيوية سواء للإنسان أو الحيوان، والتوعية بضرورة غسل الأيدى بشكل متكرر لما ثبت من فاعلية هذا الأمر فى تقليل عدد حالات الإصابة ببكتيريا «MRSA»، المكورات العنقودية الذهبية المقاومة للمضادات الحيوية من عائلة الميثيسلين، وخاصة فى بريطانيا.
وقال الطبيبة جنيفر كوهين، المديرة الطبية لحملة إتاحة الأدوية الأساسيّة، وهى حملة عالميّة بدأت بواسطة منظمة أطباء بلا حدود MSF، إن معدلات مقاومة المضادات الحيوية باتت رهيبة، فى كل المجالات الطبية، بما فى ذلك الأطفال الذين يدخلون مراكز التغذية فى النيجر، أو فى الأشخاص فى الوحدات الجراحية والإصابات فى الأردن.
وأضافت أن الدول فى حاجة لتطوير مراقبتها للمقاومة البكتيرية وإلا سوف تذهب مجهوداتها فى هذا السياق سدى، ودون هذه المعلومات لن يعلم الأطباء مدى المشكلة، ولن يستطيعوا اتخاذ القرارات السريرية المطلوبة.
وأوضحت كوهين، أن تقرير منظمة الصحة العالمية يعد بمثابة نداء صحوة للحكومات لاستحداث محفزات جديدة للقطاع من أجل تطوير مضادات حيوية جديدة ورخيصة وألا يعتمدوا على براءات الاختراع والأسعار المرتفعة حتى يستوفوا احتياجات الدول النامية.
واتفق الخبراء البريطانيون على خطورة المشكلة، وقالت لاورا بيدوك، أستاذة علم الميكروبات فى جامعة بريمنينجهام ومديرة حملة للتصرف بشأن مقاومة المضادات، إن العالم يحتاج استجابة مشابهة لأزمة الإيدز فى الثمانينيات، وهذا يتطلب طموحاً وفهماً أفضل لجميع جوانب المقاومة، والبحث وتطوير مضادات جديدة.
وحذرت بيدوك من تراجع التمويل الحكومى للبحوث المتعلقة بالمضادات الحيوية.