بقلم: بشرى المقطري
فى ليلة الخامس والعشرين من مارس، بدأت السعودية حملة طنانة، «عاصفة الحزم» الجوية، وأراد السعوديون الضغط على الحوثيين للتفاوض مع الرئيس السابق، عبدربه منصور هادي، الذى فر إلى الرياض بعدها بأيام.
ومع استمرار قصف البنية التحتية وقتل المدنيين، تتقطع أوصال اليمن ، وينتشر الجوع، وأصبحت المدن الرئيسية مدن أشباح، ولن تحل حملة القصف أزمتنا السياسية الممتدة منذ 4 سنوات، بل سوف تقضى على أى تلاحم وطنى قليل متبقٍ.
وعندما ينتهى القصف، سوف تقفز القاعدة فى شبه الجزيرة العربية لملء الفراغ الذى خلفته الفوضى وضعف الحكومة، خاصة فى المدن الجنوبية مثل تعز.
ومن يقع عليهم اللوم فى وضع اليمن الكارثى كثر: الحوثيون الطائفيون القبليون، الذين استولوا على العاصمة فى يناير، وعبدربه هادي، الذى ترأس حكومة غير كفء، ويدعم حالياً مجهودات جيراننا الشماليين فى تحويلنا لدولة تحت وصاية سعودية، بالإضافة إلى سلفه الانتقامى غير العقلانى على عبدالله صالح، الذى تم إقصاؤه من السلطة فى 2011، ولكنه يرفض التنحي.
وهؤلاء الجناة جعلوا اليمن ساحة اقتتال بين قوتين خارجيتين كبيرتين، إيران الشيعية، والسعودية السنية، ويعد اليمنيون اليوم أكثر انقساماً من أى وقت مضى.
ويدّعى مؤيدو التدخل، أنه ينبغى الحفاظ على شرعية حكومة عبدربه هادي، وأنه ينبغى وقف اعتداء الحوثيين على الحكومة، أما الفريق الآخر فيمثل نفسه على أنه المدافع عن الاستقلال الوطني، رغم أنهم بأنفسهم سعوا للمساعدات العسكرية والمالية من إيران، وبالتالى ساعدوا على تحويل اليمن لساحة حرب بالوكالة ضد السعودية.
أما أنا فأنضم إلى الفئة الثالثة، وهم الناشطون الديمقراطيون، وهى فئة غير مرئية تقريباً، ونحن نرفض التدخل العسكرى الخارجى رفضاً تاماً، كما أننا نرفض الانقلاب الحوثى وحملته الانتقامية ضد اليمنيين فى الشمال والجنوب، ولكن تبددت آمالنا فى التحول السلمى نحو الديمقراطية، بعد تنحى صالح رسمياً عن السلطة منذ أكثر من 3 سنوات.
وارتفعت آمالنا عالياً بعد مغادرة صالح لليمن من أجل العلاج الطبى فى الولايات المتحدة أوائل عام 2012، ولكن للأسف، أساءت الحكومة الانتقالية برئاسة هادى إدارة البلاد، وتفاقم ضعف المؤسسات والفساد المتفشى بسبب قبضة السلطات التنفيذية على السلطة، وتعطيلها للمؤسسات التشريعية والقضائية.
وتقاتلت الفصائل المختلفة من قبائل وضباط بالجيش ورجال دين على السلطات، وتلاعب بعضهم بتهديد القاعدة فى شبه الجزيرة العربية لإلحاق الأذى بمنافسيها.
وتجاهل أصحاب النفوذ أكثر ما يحتاجه معظم اليمنيين: تعليم أفضل، رعاية صحية أساسية، ومتنفس من الفقر الطاحن، كما استخدم اللاعبون الدوليون والإقليميون – وليس فقط السعودية وإيران، وإنما أيضاً الولايات المتحدة وقطر – اليمن كمسرح لصراعاتهم.
ويقول البعض إن اليمن منهار لدرجة أن التدخل الخارجى هو الحل الوحيد، وأنا لا أتفق مع ذلك، فرغم انقسام مجتمعنا، وحدة التوترات الداخلية التى خلقتها الفصائل السياسية، فإن حملة القصف بقيادة السعودية لن تحل شيئاً.
وينبع أى حل للأزمة السياسية فى اليمن من ضغط المجتمع الدولى على السعودية وإيران وحثهما على التفاوض للتوصل لنوع من التفاهم المشترك، ومنعهما من جعل الوضع فى اليمن أسوأ، وفى الوقت نفسه، ينبغى على الأطراف السياسية فى اليمن المشاركة فى إنتاج حل سياسى قائم على التفاهم الداخلى برعاية دولية.
ويعد اليمن على حافة الانهيار، وتحاول السعودية تحت مظلة الادعاء بأنها تحمى السنيين أن تعيد تجميع الأجزاء المتبعثرة للقومية العربية، وأخشى ألا يدرك السعوديون حماقة تدخلهم إلا بعد فوات الأوان، خاصة أن الحوثيين، بالشراكة مع صالح، لديهم الكثير من الذخيرة والإرادة للقتال.
وبناءً على ذلك، ينبغى على المجتمع الدولى تحمل جانب من المسئولية فى حل هذه الأزمة، ويبدو العالم الخارجى بالنسبة للناس العاديين هنا، وفى دول أخرى مثل العراق وسوريا – والذين يحاولون النجاة من الحرب الأهلية، والجماعات الإرهابية، وانهيار الحكومات، والأزمات الإنسانية اللاحقة لذلك– وكأنه متاجر، يتاجر بدمائنا وكأنها سلعة مثل البترول.
وتُعبر الأزمة فى دولتنا عن صراع عالمى أكبر، ولا يمكن أن تغض الولايات المتحدة وأوروبا الطرف عنها، فهما لهما مصلحة فى منع اليمن من أن تصبح موطناً أكثر خطورة للقاعدة والمليشيات الأخرى، ولن تفعل حملة القصف السعودية سوى زيادة تهديد الهنف الإرهابى.
إعداد: رحمة عبدالعزيز
المصدر: صحيفة «نيويورك تايمز»