بقلم: أمريتا سينج
تؤكد الأنباء الأخيرة مقتل مدنى أمريكى بريء فى الهجمات الجوية الأمريكية بطائرات دون طيار على باكستان، ما أظهرته دراسة جديدة بعنوان «الموت بالطائرات بدون طيار».
وتركز تلك الدراسة على الضرر المدنى الذى تتسبب فيه الهجمات الأمريكية فى اليمن ، كما تدل على أن الدعاوى بدقة الاستهداف مبالغ فيها، وتظهر التناقض الحاد بين كيفية التعامل مع الهجمات الجوية التى تقتل أمريكيين، وتلك التى تقتل غيرهم.
وتقوم الولايات المتحدة بقصف جوى باستخدام طائرات دون طيار منذ عام 2002، ويتراوح إجمالى عدد الهجمات بين 91 و203، وبينما تشيد الحكومات الأمريكية واليمنية بدقة الاستهداف، ترفض الإفصاح عن التفاصيل الرئيسية بشأن هذه الهجمات، بما فى ذلك عددها، ومن كانت تستهدف، والأهم من ذلك، كم عدد وهويات المدنيين الذين قتلوا نتيجتها.
وفى خطاب للرئيس باراك أوباما فى مايو 2013 فى جامعة الدفاع الوطني، قدم ضمانات بعدم إجراء أى هجمة جوية إلا فى حال وجود «شبه يقين بأنه لن يتم قتل مدنيين أو إصابتهم جرائها»، كما ادّعى أن الولايات المتحدة لا تستهدف سوى «الإرهابيين الذين يشكلون خطراً مستمراً ووشيكاً للشعب الأمريكي»، وأنها لا تطلق هجمات جوية عندما تكون لديها «القدرة على القبض على الأشخاص الإرهابيين».
ومع ذلك تحكى الدراسة الجديدة واقعاً مختلفاً تماماً، فهى تتضمن إفادات من شهود وناجين من الهجمات فى اليمن، وتقدم التسع حالات الموثقة فى الدراسة– من بينها أربع حالات جاءت بعد خطاب عام 2013– دليلاً قوياً على أن الهجمات الأمريكية بطائرات دون طيار قتلت وأصابت المدنيين اليمنيين، ما يوحى بأن معيار «شبه اليقين» لم يتم تطبيقه بفاعلية.
ويشكك التقرير أيضاً فى ادّعاءات أوباما الأخرى، وبه أدلة على أن أهداف الهجمات الجوية، قد تشكل تهديداً لليمن، ولكنها لا تشكل بالضرورة تهديداً للولايات المتحدة وأن إلقاء القبض عليهم كان ممكناً، بمعنى آخر، عانى المدنيون اليمنيون وقتلوا من هجمات غير ضرورية.
وبشكل عام، تفتح الدراسة نافذة على معاناة المدنيين اليمنيين الذين تأثروا بشكل مباشر من القصف الجوى الأمريكي، وتعد شهادات هؤلاء الأفراد حيوية فى تقييم برنامج الطائرات دون طيار الأمريكي، وعادة يتم تجاهل هذه الإفادات لأنهم فقراء وليس لهم تأثير سياسي، ولأن هذه الهجمات يتم إجراؤها سرا، وبعيداً للغاية عن الولايات المتحدة.
وكما يقول يسلم سعيد بن اسحاق، الذى قُتل ابنه فى غارة جوية فى وادى سير فى 1 أغسطس 2013 «إنهم يقتلون فحسب، ولا يعلمون ما الدمار الذى سببته صواريخهم، ولا يدركون المعانات التى يتسببون فيها لعائلاتنا».
وبالفعل، إذا لم تفصح الولايات المتحدة عن الهجمات، فكيف سيعرف الأمريكيون العاديون أن رسالة الفقيه، سيدة يمنية حامل، قُتلت هى وزوجها وابنتها البالغة 10 أعوام فى قصف وهى عائدة إلى المنزل بعد زيارة الطبيب؟ أو أن منزل عبده محمد الجراح الذى كان يحتوى 19 شخصاً، بمن فيهم نساء وأطفال، تم قصفه فى هجمة جوية؟
ورفض الولايات المتحدة الإفصاح عن الهجمات التى تقتل غير الأمريكيين يرسل رسائل سلبية فى اليمن وغيرها. ويقول مقبل عبدالله على الجراح، قروى من سيلة الجراح: «أعتقد أن أمريكا تختبر أسلحتها الجديدة فى قرانا الفقيرة، لأنها لا تتحمل اختبارها فى الأماكن حيث للحياة البشرية قيمة، أما هنا فنحن بلا قيمة».
وفى كل الحوادث التى تم تسجيلها فى الدراسة يتساءل أهالى الضحايا اليمنيين المدنيين لماذا تم استهدافهم، وقال والد ناصر محمد ناصر، أحد أربعة أبرياء مدنيين قتلوا فى قصف جوى فى 19 أبريل 2014، بحزن: «ابنى والذين كانوا معه لم يكن لهم علاقة بالقاعدة، فقد كانوا فى طريقهم لكسب عيشهم، فلماذا قصفتهم الطائرات الأمريكية؟».
ولكن لم يُعط ناصر أى إجابة، ولم يُعترف حتى بأن ابنه قتل فى غارة جوية أمريكية.
ولا عجب إذن فى أن المدنيين مثل ناصر الذين فقدوا أمهاتهم وآباءهم وأبناءهم وبناتهم فى القصف الجوى الأمريكي، يشعرون بالغضب وليس فقط من أمريكا وإنما من الحكومة اليمنية التى وافقت على الهجمات، فهم يعتقدون أنه بدلاً من جعل اليمن والولايات المتحدة اكثر أماناً، فهم لا يفعلون سوى زيادة الدعم للقاعدة.
وفى وقت سابق من العام الجاري، أعلنت الولايات المتحدة سياسة جديدة تخص صادرات الطائرات دون طيار، فيما يعد ظاهرياً جزءاً من مسعى اوسع للعمل مع الدول الأخرى فى «تشكيل معايير دولية» بشأن استخدام الطائرات دون طيار، وإجبار الدول المشاركة على استخدام هذه الأنظمة بالتماشى مع القانون الدولي.
ولكن، كما أظهرت دراسة «الموت بالطائرات دون طيار»، أن برنامج الطائرات الأمريكى معيب من الأساس، ولا يجب تعميمه، والاعترافات الحديثة من حكومة أوباما بأن هجماتها الجوية قتلت مواطنيها لا تفعل سوى تاكيد هذه الحقيقة.
إعداد: رحمة عبدالعزيز
المصدر: موقع «بروجيكت سينديكيت»







