دخلت روسيا فى المراحل النهائية للاتفاق على تنفيذ مشروع الضبعة النووي المصرى مثله مثل مشاريع أخرى فى الأردن والإمارات، بيد أنها جميعاً ذات أغرض سلمية، لكن امتلاك التكنولوجيا النووية قد يمهد الطريق إلى قنبلة نووية عربية، يبدو أنها ستكون أمراً ملحاً فى وقت بات فيه الشرق الأوسط يواجه سباق تسلح بعد الاتفاق الإيرانى مع الغرب، الذى جعل طهران تقف على عتبة النادى النووى الدولى لملاك الأسلحة الذرية.
يرصد هذا الملف معالم على طريق القنبلة النووية العربية الطويل والشاق، نظراً لفقره من الناحية العلمية والاستثمارية، رغم أنه غنى بأموال البترول، وقد أشارت تقارير إلى شراء السعودية قنبلة نووية من باكستان، لكن امتلاك التكنولوجيا النووية هو التحدى الأكبر خلال السنوات المقبلة.
أمراء الخليج فى مهمة مستحيلة أمام إيران
السعودية تستعين بالصديق «الباكستانى» للحصول على قنبلة نووية فى شهر
روسيا تضرب موعداً مع مصر والأردن والسعودية لبناء مفاعلات نووية.. يبدو أننا نشاهد مشهد إشعال فتيل سباق تسلح نووى فى الشرق الأوسط، بحسب صحيفة «ديلى ميل» البريطانية.
فبعد توقيع الاتفاق بين إيران والغرب حول برنامجها النووى المثير للجدل، والذى يرى العرب أنه يمهد لامتلاك طهران القنبلة النووية، وهو المحطة الأخيرة فى مشروعها الاستعمارى لاستعادة أمجاد الإمبراطورية الفارسية، ومن ثم لم يعد بإمكانهم الجلوس مكتوفى الأيدي، عندما تقف أكبر دولة راعية للإرهاب فى العالم على العتبة النووية.
وقال السفير الأمريكى السابق، جون بولتون، إن إيران ودولاً أخرى استخدمت برامج الطاقة النووية المدنية لتخصيب اليورانيوم بشكل سري، وهو ما يمكنها على الأرجح من استخدامه لصنع قنبلة ذرية، مشيراً إلى أن الغرب أعطى إيران المسار الذى كانت تسعى له لما يقرب من 35 عاماً.
واستمر الاستقطاب بين العالم العربى وإيران لسنوات، وتفاقم مع المملكة العربية السعودية، خاصة مع تأجُج التوترات بين السنة والشيعة فى العراق وسوريا واليمن.
لكن التحركات السعودية نحو امتلاك التكنولوجية النووية غير مقصورة على الأغراض السلمية، فبحسب تقرير لمحطة «سى بى سي» البريطانية، فإن المملكة استثمرت فى مشاريع الأسلحة النووية الباكستانية، ويعتقد أنه يمكنها الحصول على قنابل ذرية إذا أرادت.
بينما فى كثير من الأحيان يتم تعيين سعى المملكة فى سياق مكافحة البرنامج النووى الإيراني، أصبح من الممكن الآن أن تقوم السعودية بنشر مثل هذه الأجهزة بسرعة أكبر من الجمهورية الإسلامية.
وفى مفاجأة من العيار الثقيل نقل مارك أوربان، الصحفى فى الـ»بى بى سي» المتخصص فى الشئون الدبلوماسية والدفاعية فى 2013 عن أحد كبار صانع القرار فى حلف شمال الأطلنطي، أنه رأى تقارير مخابراتية تفيد بأن الأسلحة النووية التى صنعت فى باكستان نيابة عن المملكة العربية السعودية جاهزة لعملية التسليم.
وفى العام نفسه، قال عاموس يادلين، الرئيس السابق للمخابرات العسكرية الإسرائيلية فى مؤتمر فى السويد إنه إذا حصلت إيران على القنبلة، فإن السعوديين لن ينتظروا شهراً واحداً بعد أن دفعوا بالفعل مقابل القنبلة، فما عليهم سوى الذهاب إلى باكستان والحصول على ما يحتاجون.
وعام 2009 حذر الملك عبدالله، العاهل السعودى الراحل، المبعوث الأمريكى الخاص إلى الشرق الأوسط، دنيس روس، من أنه إذا عبرت إيران العتبة النووية فسوف تحصل المملكة أيضاً على الأسلحة النووية.
وأعرب جارى سامور، مستشار الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، لأسلحة الدمار الشامل، عن اعتقاده بأن السعوديين لديهم تفاهم من نوع ما مع باكستان على أنه فى الحالات القصوى يمكنهم طلب أسلحة نووية.
لكن بافتراض أن السعودية بالفعل لديها مصدر سهل للحصول على القنبلة عبر الاستعانة بصديق، كيف يمكن استخدام القنبلة؟
الإجابة فى قصة مشروع سعودى يتضمن شراء صواريخ قادرة على حمل رؤوس نووية على مسافات بعيدة، وهو مشروع يعود لعقود.
فقد نجحت الرياض فى أواخر الثمانينات فى شراء عشرات من الصواريخ CSS-2 الباليستية (طويلة المدى) سراً من الصين، رغم الحديث عن دقتها الكاملة فى إصابة الأهداف بالنسبة للإسلحة التقليدية.
وبالفعل شهد صيف 2013 انتهاء عملية تأسيس قاعدة صواريخ مماثلة للقواعد فى إسرائيل وإيران.
كان من الواضح منذ سنوات عديدة أن السعودية تقدم مساعدات مالية سخية لقطاع الدفاع فى باكستان، بما فى ذلك دعم استقدام خبراء غربيين للمختبرات الصاروخية والنووية، بالإضافة إلى الزيارات التى قام بها وزير الدفاع ثم السعودي، الأمير الراحل سلطان بن عبدالعزيز آل سعود، إلى مركز الأبحاث النووية الباكستانية فى عام 1999 و2002 للتأكيد على متانة التعاون فى هذا المجال بين البلدين.
وبحسب مواقع عسكرية متخصصة فإن الرياض تخفى موقعاً ثالثاً للصواريخ الباليستية متوسطة المدى يقع على بعد حوالى 200 كلم جنوب غرب الرياض.
وفى كتابه «أكل العشب»، وهو كتاب شبه رسمى عن تاريخ البرنامج النووى الباكستاني، قال اللواء فيروز حسن خان، إن زيارات الأمير سلطان للمختبرات الذرية لم تكن دليلاً على اتفاق بين البلدين، لكنه اعترف بالدعم المالى السخى من الرياض لإسلام آباد الذى مكنها من الاستمرار فى برنامجها.
وتحدث تقارير مخابراتية بريطانية عن خطة بديلة تسمى «المفتاح المزدوج» جرت مناقشتها فى 2003، وتتمثل فى عدم نقل الرؤوس النووية للرياض، ولكن استخدام السلاح النووى من قبل باكستان لصالح السعودية.
الدبلوماسية النووية الروسية فى الشرق الأوسط
البوصلة العربية تتجه لموسكو فى ظل العزوف الأمريكى عن المنطقة
فى الوقت الذى ما زال فيه الاتفاق النووى الإيرانى ينتظر تصديق الكونجرس الأمريكى، ترى روسيا فى ذلك فرصة لزيادة بناء محطات طاقة نووية فى منطقة الشرق الأوسط، ومن المرجح أن تزداد الأهمية الدبلوماسية النووية لموسكو فى المنطقة، ومن الممكن أن تصبح أيضاً مصدراً متزايداً للتوتر مع الولايات المتحدة.
وذكرت موقع المونيتور الأمريكى أن روسيا تواصل المفاوضات والاتفاقات مع دول الشرق الأوسط حول مستقبل الطاقة النووية والتى ستظل نقطة حساسة مع الغرب.
وتستغل روسيا حاجة البلدان العربية لخبراتها النووية نظراً للواقع النووى الجديد بعد الاتفاق الإيراني، وترى فى موسكو بديلاً قوياً فى هذا الصدد للولايات المتحدة التى أدارت ظهرها للمنطقة.
وحاولت الولايات المتحدة منذ فترة طويلة دحر النووى الإيراني، أو حتى القدرة على تخصيب اليورانيوم، ولكن بعد الاتفاق أصبحت جميع الخيارات مطروحة أمام طهران.
ويمكن تسريع الانتشار النووى فى الشرق الأوسط عن طريق دفع الحكومات فى جميع أنحاء المنطقة لتطوير محطات الطاقة النووية بحجة اقتراب إيران من إنتاج أسلحة نووية.
وفى الوقت نفسه، يجبر ارتفاع استهلاك الكهرباء القادة فى المنطقة للنظر فى خياراتهم لضمان توليد الكهرباء بصورة كافية. بالإضافة إلى حاجتهم الماسة لكميات هائلة من الطاقة اللازمة لمحطات التحلية لمعالجة مياه البحر للاستخدام الصناعي، والزراعى أو السكني، وهذا يضغط على إنتاج المزيد من الطاقة.
وأوضح التقرير أن روسيا لديها بالفعل سوق فاعل فى مجال الطاقة النووية فى منطقة الشرق الأوسط، ولم يقتصر توقيع اتفاقيات للتعاون النووى المدنى فقط مع إيران، ولكن طال أيضاً العديد من الدول الأخرى، مثل مصر، الجزائر، الأردن، الكويت، ليبيا، عمان، قطر، سوريا، وتركيا.
ووقعت موسكو اتفاقات ليس فقط مع الدول التى أغلقت الولايات المتحدة أو شركاؤها الأوروبيون الأبواب فى وجوههم مثل المغرب، والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، ومع دول أخرى صغيرة جداً مثل البحرين، رغم عدم استقرارها سياسياً، ودول مجهدة مالياً مثل العراق، لبنان، تونس، واليمن.
وتقوم روساتوم، الشركة النووية الروسية، ببناء محطة للطاقة النووية فى تركيا، تسمح لأنقرة فى نهاية المطاف بامتلاك 4 مفاعلات نووية.
ويثير قرار تركيا باللجوء إلى موسكو فى إنشاء المفاعلات النووية الكثير من التساؤلات، ويعد بمثابة إشارة سياسية إلى الولايات المتحدة والحكومات الأوروبية، فعملية إنشاء موسكو أول مشروع نووى مع تركيا من المرجح أيضاً أن يقوى يد أنقرة فى التعامل مع الآخرين.
ووضعت الشركة الروسية أيضاً اللمسات الأخيرة فى بناء محطة نووية فى الأردن، على الرغم من اعتراض المسئولين فى الشركة على بعض قضايا التمويل التى لا تزال دون حل، كما تسعى الشركة أيضاً للتوسع مع دول أخرى فى منطقة الشرق الأوسط.
وتوضح حالة إيران مدى جهود الولايات المتحدة والغرب لعزل الحكومات فى الشرق الأوسط، ولكنها لا يمكن أن تنجح بشكل كامل دون تعاون روسيا أو الصين، بل يمكن أن تشجع الحكومات فى هذا الوضع للتحول نحو روسيا.
وسيبقى التعاون النووى حافزاً مهماً لموسكو، فمواصلة المشاريع النووية تجذب اهتمام الآخرين الذين عزفت واشنطن وأوروبا عن العمل معهم.
وأعلنت روسيا والمملكة العربية السعودية فى يونيو الماضى اتفاقاً يسمح بالتعاون فى مجال استخدام الطاقة النووية لإنتاج الكهرباء.
ووقعت الدولتان اتفاقات فى روسيا فى منتدى سان بطرسبرج الاقتصادى الدولي، تتيح بناء المفاعلات النووية، والتى ستكون الأولى من نوعها فى المملكة العربية السعودية، لاستخدامها فى مختلف المجالات مثل النقل واستخدام الوقود النووي، والتعامل مع النفايات المشعة، وإنتاج النظائر المشعة وتطبيقات الطاقة النووية فى الطب والصناعة والزراعة.
ومن المقرر تبادل الخبراء والمعلومات العلمية والتكنولوجية، وتنظيم الحلقات الدراسية والندوات، والتعاون فى إعداد الكوادر العلمية والتقنية لأول مرة فى تاريخ العلاقات الروسية السعودية.
جاء ذلك فى الوقت الذى أعلن فيه مسئولون فى قطاع الطاقة أن الإمارات العربية المتحدة وقعت فى 2012 اتفاقية تعاون مع روسيا فى مجال الطاقة النووية السلمية، ما يمهد الطريق أمام إبرام صفقات فى وقت لاحق مع شركات روسية للحصول على تكنولوجيا نووية أو بناء مفاعلات تجنى ثمارها فى 2017.
ومن المرجح أن توسع موسكو دبلوماسيتها النووية فى الشرق الأوسط، بغض النظر عن نتائج المحادثات بين إيران والقوى العالمية، وبالفعل أصبحت مصر وروسيا بصدد التوقيع على إنشاء أول محطة نووية بعد سنوات من المحادثات.
نظرية «الرجال العظام» بوابة العرب للنادى النووى
توافر قاعدة علماء واسعة أساس التفوق فى مشروع «مانهاتن»
يحتاج أى مشروع نووى ناجح إلى قاعدة من العلماء أصحاب العقول اللامعة لكى يكونوا اللبنة الأساسية عند تأسيسها، فكما يقول كتاب «رجال عظام» فإن التاريخ يصنعه رجل عظيم.
ومن أهم التجارب الناجحة فى مجال المشروعات النووية مشروع مانهاتن، وهو مشروع مشترك بدأ فى عام 1941 يضم الولايات المتحدة وبريطانيا وكندا لصناعة القنابل الذرية المتطورة باستخدام اليورانيوم والبلوتونيوم.
وبحسب الخبراء فإن المشروع الذى انطلق بعد الحرب العالمية الثانية نجح بفضل توافر أربعة شروط هي:
1 – وجود طرف محرك للمبادرة يعمل بقوة مكون من مجموعة صغيرة من العلماء ساهموا فى إطلاق المشروع.
2 – الدعم الحكومى غير المشروط ووصوله فى الوقت المناسب.
3 – توافر أساس المشروع من القوى العاملة غير المحدودة والموارد الصناعية.
4 – وجود كوكبة رائعة من العلماء المتفرغين لهذا المشروع.
ومع توافر هذه الميزات الأربعة لم ينجح مشروع مانهاتن إلا بعد أن وضعت الحرب أوزارها وتوافرت أجواء سياسية مناسبة ساهمت فى الاستقرار السياسى لأنظمة الحكم، ما أعطى استدامة للدعم الحكومى للمشروع.
قاد فريق العمل الناجح فى مشروع «مانهاتن» إنريكو فيرمي، صاحب القدرة المزدوجة على العمل فى الشق النظرى للبحث والشق التجريبي، وهى ميزة فريدة من نوعها، ما أدى لنتائج عظيمة، بالتعاون مع وارنر هايزنبرج أحد أهم علماء الفيزياء فى التاريخ الحديث، وروبرت دوبيل الذى أشرف على تنفيذ التجارب العلمية بنفسه.
وكان من أهم نتائج التعاون بين نخبة العلماء فى ذلك الوقت توفير دليل تجريبى على إمكانية زيادة فاعلية النيوترون فى أبريل 1942، وفى نهاية يوليو من نفس العام نجحوا فى زيادة النيوترون من خلال عملية ترتيب داخل ما يشبه المفاعل.
وتمتع فريق العمل فى مانهاتن بهدوء سياسى ساعدهم على إنجاز المهمة على العكس من مشروع ألمانى متزامن كان يعانى فقدان كثير من العلماء الشباب النابهين فى الحرب على الجبهة الروسية، حيث احتاجت 10 سنوات لخلق جيل جديد، بجانب تسييس المجتمع الأكاديمى الذى أدى لهجرة كثير من العقول البشرية، بعد أن تم فصل 1445 عالماً ألمانياً فى الفترة من 1932 إلى 1933، منهم 4 حصلوا على جوائز نوبل فى الفيزياء والكيمياء بعد هجرتهم.
وحاول ماكس بلانك أبونظرية الكم إقناع الزعيم النازى أدولف هتلر خلال اجتماع معه بأن إجبار العلماء اليهود على الهجرة لمجرد شكوك سياسية رغم أنهم مواطنون ألمان سيشوه بلاده، فضلاً عن ذهاب نتائج جهدهم وعبقريتهم العلمية إلى دول أجنبية، ولم يرد هتلر إلا بالهجوم ضد اليهود.
وتعلمت دول كثيرة هذه الحكمة، وبالفعل بدأت دولة مثل نيجيريا فى جنوب الصحراء إعداد جيل من العلماء النوويين عبر إنشاء عدد من المراكز للبحث والتدريب داخل جامعاتها.
وقال فرانكلين أوسياسيا، رئيس هيئة الطاقة الذرية فى نيجيريا، إن خمس جامعات نيجيرية تستضيف حالياً مراكز التميز فى الطاقة النووية.
وأضاف بعض هذه المراكز متخصصة فى التطوير التكنولوجى النووى واستخداماته فى التنمية الاقتصادية وإنتاج واستهلاك الطاقة الذرية، بينما تهتم مراكز أخرى بأبحاث حول المسائل المرتبطة بالاستخدامات السلمية للطاقة الذرية وغيرها.
وأوضح «أوسياسيا أن الهدف من هذه المراكز هو تعزيز قدرة الأبحاث النووية والتدريب.
وأشار إلى أن الدولة نجحت فى توفير التمويل اللازم لهذه المراكز بشكل مناسب بما فى ذلك المكافآت والتعويضات والبدلات.
وبدأت فكرة المراكز البحثية النووية فى الجامعات عام 1976، عندما قامت الحكومة الاتحادية بدعم الجامعات للاستفادة من الطاقة الذرية فى البلاد.
وتأسست هيئة الطاقة الذرية فى عام 2006 بهدف تقديم التسهيلات لتدريب النيجيريين على جميع المستويات فى جميع جوانب مسائل الطاقة والتكنولوجيا النووية لأن تطوير التقنيات النووية لازم لتقدم العلوم والتكنولوجيا النووية للأغراض السلمية.
المشروعات النووية… استثمار من أجل مستقبل الأجيال القادمة
يبدو أن السعوديين عازمون على استكمال طريقهم نحو هدفهم الطموح بتشييد 16 مفاعلاً نووياً، بحلول عام 2032، خاصة بعد توصل القوى العالمية مؤخراً إلى اتفاق مع إيران.
وذكرت صحيفية ميدل إيست أي، البريطانية، أن المملكة العربية السعودية لديها بالفعل القدرة على إنتاج يورانيوم عالى التخصيب والمتطلبات اللازمة لإضافة الأبعاد العسكرية المحتملة إذا لزم الأمر، إضافة إلى أنظمة توصيل متقدمة للرؤوس النووية، وهى تمتلك بالفعل الآن ثلاثة من هذه الأنظمة.
وأكدت، أن المملكة تخوض سباقاً كبيراً لإنفاق مليارات الدولارات فى السوق العالمى للتكنولوجيا النووية.
وكانت فرنسا أحد المستفيدين من هذا السخاء السعودى، ومؤخراً وقع البلدان صفقة تعتبر جزءاً من حزمة صفقات تقدر بأكثر من 12 مليار دولار.
وتمت مراسم الاتفاق بحضور الرئيس الفرنسى فرانسوا هولاند، ونائب ولى العهد السعودى الأمير محمد بن سلمان.
وسوف يشرع الفرنسيون والسعوديون فى إعداد دراسات جدوى تهدف إلى تأمين عقود المرفقات الخاصة بمفاعلين نوويين تم تشييدهما من قبل شركة أريفا، وهى شركة فرنسية تسعى جاهدة لزيادة مبيعاتها من المفاعلات النووية.
وجاءت الصفقة الفرنسية فى أعقاب صفقة وقعتها السعودية مع روسيا للتعاون فى مجال تطوير الطاقة النووية.
وهناك اتفاقية مماثلة وقعتها المملكة مع كوريا الجنوبية بداية شهر مارس الماضى، إضافة إلى صفقات مماثلة مع الصين والأرجنتين.
وعند سعر تقريبى يقدر بحوالى 2 مليار دولار لكل مفاعل، بالإضافة إلى عقود الصيانة الشديدة الربحية التى لم يتطرق أحد إلى الحديث عنها، فإن مشيدى المفاعلات النووية فى العالم يسعون الآن لطلب ود المملكة العربية السعودية.
وجاءت التحركات العربية، وخصوصاً من الجانب السعودى فى الوقت الذى يتزايد فيه الاستثمار فى السوق العالمى للطاقة النووية، والذى أصبح بالفعل آخذاً فى التوسع والانتشار، حتى باتت المشروعات النووية أفضل الاستثمارات للأجيال القادمة.
وكشفت شركة ستاتيستا، المتخصّصة فى بحوث وإحصاءات الإنترنت، أن السوق العالمى للطاقة النووية بلغ قيمة 133 مليار دولار فى 2014، ولكن من المتوقع أن يرتفع إلى 300 مليار نهاية العام الجارى.
بالإضافة إلى ذلك، فإن سوق إدارة الإشعاع فى جميع أنحاء العالم سوف ينمو ليبلغ قيمة 267 مليار دولار بحلول عام 2030.
وتظهر عمليات بناء المفاعلات النووية، وتوفير الخدمات اتجاهات نمو مماثلة، ومن المتوقع أن تصل إلى قيمة 53 مليار دولار على مدار الـ16 سنة المقبلة.
ونشر مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، تقريراً صدر مؤخراً عن الصناعة النووية، أشار فيه إلى أنه تم استخدام الطاقة النووية لأكثر من نصف قرن، وتتركز غالبية محطات الطاقة النووية فى العالم فى الدول الصناعية ذات الاقتصادات الكبيرة.
وأضاف التقرير، أن عدة دول جديدة تدرس الآن استخدام الطاقة النووية ولكن تحديات الحفاظ على السلامة النووية قد تصبح مجدداً محور الاعتراض عليها، خاصة بعد تكرار الحوادث النووية على سبيل المثال ثرى مايل آيلاند فى الولايات المتحدة، وتشيرنوبيل فى أوكرانيا، ومؤخراً فوكوشيما فى اليابان.
وتتحرك بعض الدول فى الآونة الأخيرة نحو إيجاد بدائل من الخسائر النووية، وعاد عدد متنامٍ من الدول بما فيها اليابان إلى الاستثمار فى هذه الصناعة.
طفرة فى التكنولوجيا لزيادة الكفاءة وتحسين معايير البيئة
قلق من عدم الالتزام بمعايير السلامة النووية بسبب سجل العرب السيئ
تسجل الدول العربية مستويات دنيا فى التطور التكنولوجي، حيث تعتبر دولاً مستهلكة فى المجمل، وهو ما يعد أكبر عائق أمام امتلاكها التكنولوجيا النووية.
وبحسب تقرير لمجلة سينتيفك أمريكنز، فإن الولايات المتحدة لم تنشأ محطة نووية جديدة منذ 1978، ولم تنتهى من مفاعل جديد منذ 1995، حيث تمتلك حالياً 103 مفاعلات تنتج %20 من الكهرباء الأمريكية، لكنها بعد أبحاث طويلة ترمى للتوصل لتكنولوجيا جديدة تسهم فى كفاءة أفضل للتشغيل، وأمان أكبر للمفاعلات، تستعد لإنشاء نحو 23 مفاعلاً جديداً خلال السنوات المقبلة.
وعزت المجلة التأخر فى إنشاء محطات جديدة رغم ارتفاع أسعار الكهرباء وانقطاع التيار الكهربائى فى الصيف الماضى فى بعض الولايات الأمريكية، إلى أن ذلك يتطب الإجابة عن أسئلة صعبة منها تحسين سلامة التشغيل، وإدارة النفايات بكفاءة واستخدام الموارد، فضلاً عن منع انتشار الأسلحة النووية، وكلها تتأثر بتصميم نظام المفاعل النووى الذى تم اختياره.
ويعتمد الجيل الجديد من المفاعلات النووية على استراتيجية تركز على العلاقة بين إمدادات الطاقة وحاجات البيئة والمجتمع، ما يشجع على إعادة النظر فى تصاميم المفاعلات البديلة وعمليات إعادة تدوير الوقود النووى التى يمكن أن تسفر عن تخفيضات كبيرة فى النفايات.
وبدأ عام 1999 تطبيق ما يعرف بالجيل الرابع من النظم النووية التى تلبى متطلبات تحقيق الاستدامة للمشروع بدرجة عالية من كفاءة معايير السلامة وبحلول عام 2000 بدأ الاهتمام الدولى بمشروع الجيل الرابع، وهو ما أسفر عن تشكيل ائتلاف من تسعة بلدان يضم الأرجنتين والبرازيل وكندا وفرنسا واليابان وجنوب أفريقيا وكوريا الجنوبية والمملكة المتحدة، بالإضافة إلى الولايات المتحدة، لرسم خريطة التعاون فى البحوث وتطوير نظم الطاقة النووية فى المستقبل.
ويعتمد الجيل الرابع على ثلاث فئات عامة من المفاعلات وهى التبريد بالغاز والتبريد بالماء والطيف السريع.
فالمفاعلات المبردة بالغاز تستخدم عادة الهليوم أو ثانى أكسيد الكربون، حيث تتحرك داخل جدار معدنى مبطن بالجرافيت، ومفروش بالحصاة وبذور الخشخاش وجسيمات أكسيد اليورانيوم، بهدف الاحتفاظ بالحرارة أثناء عملية الانشطار النووي، ويتم توزيع الحصى على مسافات معينة لتوزيع درجات الحرارة وهو تصميم معقد للغاية مازالت جدواه محل دراسة.
لكن هذا النوع يتميز بمواد تتحمل الحرارة، ولا تصل إلى درجة الذوبان إلا عند 1600 درجة سيلزيوس، بينما درجات حرارة التفاعل تصل إلى 300 درجة فقط، وهو ما يعنى ارتفاع عنصر الأمان والسلامة فيها أكثر من المفاعلات المبردة بالماء.
أما المفاعلات المبردة بالمياه فقد دخل عليها تطور كبير لضمان عدم حدوث فقدان للمبرد، كما حدث فى حادث مفاعل ثرى ميال ايلاند الأمريكى من خلال وضع نظام التبريد بأكمله داخل وعاء ضغط مقاوم للتلف، يعنى أن النظام الأساسى للتبريد لا يمكن أن يفقد المبرد لأن وعاء الضغط لا يسمح للسوائل بالهروب.
أما مفاعلات الطيف السريع أو طاقة النيوترون العالية، فهى نوع آخر من نظام الجيل الرابع، وهى تستخدم الصوديوم وسبائك الرصاص والبزموت والغازات الخاملة مثل الهيليوم أو غاز ثانى أكسيد الكربون فى عملية التبريد.
وتتميز بدرجة أعلى فى توزيع الحرارة وتحد من حجم النفايات النووية فضلاً عن أنها تتجنب عيوب التبريد بالمياه، حيث تفقد بمرور الوقت جزءاً من مكونات المياه وهو ما يعطى عمراً أطول للمفاعل نفسه.
وقد زاد الاهتمام بمعايير السلامة وكفاءة الأداء لقطاع الطاقة النووية عقب حادث ثرى مايل آيلاند عام 1979، لكن ثقة الناس اهتزت بعد حادث مفاعل تشرنوبيل الروسى فى عام 1986 إزاء كفاءة معايير الأمان والسلامة فى المحطات النووية.
وقد صيغت أهداف السلامة طويلة الأجل لمنشآت نووية من قبل خبراء الدوليين فى 2008 بناء على طلب من وزارة الطاقة الأمريكية، حيث أسسوا ثلاثة أهداف رئيسية.
1 – تحسين سلامة وصلابة المفاعلات.
2 – العمل على الحد من الأضرار الكبيرة حال وقوع الحوادث.
3 – تقليص التداعيات المترتبة على أى حادث.
ويتطلب تحقيق هذه الأهداف تصميم مفاعلات جديدة تتضمن ميزات السلامة لمنع وقوع الحوادث والحد من تدهورها إذا وقعت، خصوصاً السيطرة على النشاط الإشعاعى فى البيئة.
كما يجب أن تعالج أيضاً مسألة التخلص من النفايات النووية والقضايا المعلقة التى تقوم على اختيار مكان مناسب لدفنها، يضمن عدم الإضرار بالبيئة مستقبلاً.
وعبرت المنظمات الدولية فى مناسبات عدة عن قلقها من عدم التزام منشآت الدول العربية بمعايير الأمن والسلامة، وهو ما ظهر فى حوادث عدة، منها حريق مركز رعاية أطفال داخل مول تجارى فى 2012، أسفر عن مقتل 13 طفلاً، وحكم بالسجن على الأمير على بن جاسم، أحد أمراء العائلة المالكة وزوجته لمدة 6 سنوات باعتبارهما ملاك المكان، حيث ادانتهما المحكمة بالإهمال فى تطبيق هذه المعايير، وفى مصر توفى نحو 22 عاملاً الشهر الماضى فى حريق لمصنع الأثاث بمدينة العبور بمحافظة القليوبية.
وتثير مثل هذه الحوادث المخاوف من إنشاء مفاعلات نووية، حيث إن عدم الالتزام بمعايير الأمن والسلامة يعنى حدوث كارثة شاملة قد تطول بلداناً مجاورة، وهو التحذير نفسه الذى أطلقته المملكة العربية السعودية تجاه منشآت إيران النووية.
ينظر علماء كثيرون للطاقة النووية كطاقة مستقبلية مجدية اقتصادياً، لكن التكاليف العالية لبناء المفاعلات وتكرار الحوادث النووية مؤخراً، وكان آخرها كارثة فوكوشيما فى 2011، زادت من قوة المعارضين للطاقة النووية بسبب مخاطرها على السلامة العامة.
وقررت بعض الدول مثل ألمانيا بعد جدل سياسى ومظاهرات شعبية إغلاق محطاتها النووية بشكل تدريجي، فى حين تريد دول أخرى مثل فرنسا الاعتماد بشكل متزايد عليها كونها طاقة رخيصة مقارنة بالطاقات التقليدية.
وأصدرت مؤسسة كارنيجي، للسلام الدولى مبادئ استخدام الصناعة النووية بمشاركة ممثلين عن كل من الدول الرئيسية المصدرة لمحطات الطاقة النووية فى عملية الصياغة، والتى بدأت عام 2008.
وأقرّت المؤسسة المبادئ المنصوص عليها فى كل المجالات التالية أولاً: السلامة والصحة والحماية الإشعاعية، ثانياً: الأمن المادى، ثالثاً: حماية البيئة ومعالجة الوقود المستهلك والنفايات النووية، رابعاً: التعويض عن الأضرار النووية، خماساً: منع انتشار الأسلحة النووية مع وجود ضمانات، سادساً: الأخلاقيات.
وأكد ريتشارد جيوردانو، رئيس مجلس أمناء مؤسسة كارنيجى، على أن هذه النصوص تعكس بعض الدروس الأولية المستفادة من كارثة فوكوشيما اليابانية فى 2011، خاصة فى مجال السلامة.
التاريخ الأسود للقنبلة النووية
1- ضرب المفاعل النووى العراقى عام 1981.. أول محطة جادة نحو قنبلة نووية عربية
دمّرت إسرائيل بنجاح المفاعل النووى العراقى أوزيراك، أو تموز، كما سماه العراقيون، وقضت على حلم بغداد فى امتلاك قنبلة نووية بعد تحرك 8 طائرات مقاتلة من طراز إف 16 اسرائيلية كانت محمّلة بالقنابل وخزانات الوقود الخارجية التى اندفعت بقوة هائلة بعد تسللها عبر الاجواء المجاورة وضربت مفاعل صدام حسين النووى وتدميره تماماً.
ولم تكن هناك دوريات جوية أو بطاريات صواريخ أرض- جو لحماية المفاعل العراقى بصورة جيدة.
واجه الإسرائيليون – لبضع دقائق فقط – قذائف عراقية مضادة للطائرات ولكن دون جدوى وتمت المهمة بنجاح ونسفت حكم امتلاك بلاد الرافدين للقوة النووية.
2- انفجار تشرنوبيل فى أوكرانيا عام 1986
انفجر المفاعل الرابع فى المحطة الذى كان فى الخدمة منذ عام 1983 فى 26 أبريل 1986 عند الساعة 11 مساء.
وحدث الانفجار لعدة أسباب أولا: لم تأخذ السلطات السوفياتية فى الاعتبار بما فيه الكفاية مشكلات السلامة خلال تصميم المفاعل الذى يعمل بالمياه المغلية من نوع آر بى إم كاي. ثانيا: قلة الخبرة التى تميزت بها تجربة نظام جديد للتبريد الإنقاذى فى قلب المحطة، وخلال هذه التجربة لم يلتزم المشغلون بالتوصيات الأمنية وعطلوا بعض أنظمة التوقف والتبريد. وفى النهاية لم يعرف الطاقم كيفية استباق الحادث المدمر وتعطيله، وقدّرت السلطات السوفيتية عدد الضحايا بأكثر من 8 آلاف شخص، فى حين توقّعت بعض المنظمات الدولية وفاة بين 10 آلاف و90 ألف نتيجة إصابتهم بسرطان الغدة الدرقية، كما أشارت إحصائية رسمية لوزارة الصحة الأوكرانية إلى أن 2.3 مليون مواطن مازالوا يعانون حتى اليوم من آثار هذه الكارثة بأشكال متفاوتة وما تزال المنطقة المحيطة بالمفاعل غير مأهولة بالسكان حتى الوقت الراهن.
3- حادث فوكوشيما فى اليابان عام 2011
يعود سبب الانفجار إلى زلزال بقوة 8.9 درجات وهو الأقوى فى تاريخ الزلازل التى تم تسجيلها فى اليابان، وموجة التسونامى التى نجمت عنه.
وأدى الزلزال إلى قطع التغذية الخارجية بالتيار الكهربائى فى المحطة وفى ستة من مفاعلاتها، من بينها ثلاثة مفاعلات متوقفة عن العمل للصيانة، ما أدى إلى تعطيل نظام التبريد الرئيسي.
واندلع نظام الإنقاذ، إلا أن المد البحرى أصابه على الفور وعطل عمله، وبموازاة ذلك وقع حريق فى المفاعل الرابع، ما أدى إلى إصابة حوض لتخزين الوقود النووى المستعمل مع خطر قذف مواد مشعة مباشرة إلى الجو.