الدولة الإسلامية المعروفة باسم «داعش» لا تخفى وحشيتها، فعندما تحرق الرجال أحياء أو تقطع رؤوسهم، تنشر الفيديوهات عبر الإنترنت، وعندما يأسر المقاتلون ويغتصبون الفتيات الكافرين، يتباهون بأنهم يفعلون مشيئة الله، لذلك عندما يقول الهاربون من سوريا أو العراق التى تحتلهم «داعش» إنهم خائفين من العودة إلى أوطانهم، فهذا يعد سبباً مقنعاً أنهم يقولون الحقيقة.
ويعد الاتحاد الأوروبى أحد أغنى المناطق على وجه الأرض وأكثرها سلاماً، ويحب مواطنيه الاعتقاد بأنهم يضعون معياراً للرحمة، وتقبل جميع الدول الأوروبية فكرة أنهم يحملون واجباً قانونياً لمنح ملاذ آمن لهؤلاء الذين لديهم أسباب وجيه للخوف من الاضطهاد.
ولكن الارتفاع الهائل الأخير لطالبى اللجوء وضع التزام أوروبا بمثلها العليا تحت الاختبار، إذ أعلنت جماعة النازيون الجدد فى ألمانيا الحرب على طالبى اللجوء والمهاجرين وأحرقوا مساكن طالبى اللجوء، وتعد حالياً الجماعة المناهضة للمهاجرين الحزب الأكثر شعبية فى السويد، وحذر رئيس وزراء المجر من أن المهاجرين غير الشرعيين، ولاسيما من أفريقيا يهددون بقاء دولته.
وذكرت مجلة الأيكينوميست فى تقرير لها أن نحو 270.000 من طالبى اللجوء وصلوا إلى أوروبا عن طريق البحر العام الجارى حتى الآن، وهو ما يعد أكثر من إجمالى اللاجئين خلال عام 2014 بأكمله، وشهدت المناطق الأكثر فقراً فى العالم تدفقات أكبر من اللاجئين، إذ استقبلت لبنان 1.1 مليون سورى، أى ما يعادل ربع السكان المحليين تقريباً.
واستقبلت تركيا 1.7 مليون لاجئ، وتستضيف تانزانيا، حيث يبلغ متوسط الدخل فيها واحد على خمسين من متوسط دخل الاتحاد الأوروبى، مئات الآلاف من اللاجئين الكونغوليين والبورونديين لعقود عديدة مع وجود شكاوى ضئيلة، وفى المقابل عندما طلبت الدول الأوروبية المساعدة مثل اليونان وايطاليا، وافقت دول الاتحاد الأوروبى الأخرى على استقبال جزء ضئيل جداً من إجمالى طالبى اللجوء البالغ عددهم 32.256 على مدار عامين.
وتستطيع أوروبا بل وينبغى عليها أن تقوم بما هو أفضل، ليس فقط لأسباب أخلاقية ولكن لأسباب ذاتية أيضاً، فالقوى العاملة فى أوروبا تعانى من الشيخوخة وستبدأ فى الانكماش قريباً، وحصلت حكوماتها على قروض ضخمة التى تخطط أن تلقى بعبء سدادها على الأجيال المستقبلية، وهى المهمة التى ستزداد صعوبتها إذا كانت هذه الأجيال أصغر عدداً.
ويعتبر المهاجرون، بما فى ذلك طالبى اللجوء، صغار فى السن وحريصون على العمل، لذلك، فمن الممكن أن يساعدوا فى تخفيف مشكلة شيخوخة العمالة التى تواجهها أوروبا، فالأفارقة والعرب صغار فى السن وتستطيع أوروبا اقتراض بعض طاقاتهم، ولكن فى حالة تعامل الحكومات الأوروبية مع جميع أنواع المهاجرين بمزيد من العقلانية، الأمر الذى سيكون صعباً سياسياً، كما أنه سيتطلب إصلاح سوق العمل.
ويجب أن يكون فحص طالبى اللجوء حازماً، ولكنه يجب أن يكون أيضاً سريعاً وسخياً، فالأشخاص الذين يعبرون الصحارى والبحار العاصفة للوصول إلى أوروبا من غير المرجح أن يكونوا كسالى عن العمل عندما يصلون، وأوجدت الدراسات أن المهاجرين حول العالم أكثر احتمالية لبدء أعمال تجارية أكثر من السكان الأصليين وأقل احتمالية لارتكاب الجرائم الخطيرة، كما أنهم مساهمون فى الخزينة العامة.
ويعد الخوف من أنهم قد يستولوا على الوظائف أو يستنزفوا الأجور المحلية فى غير محلها، لأنهم يجلبون مهارات وأفكار وروابط تكميلية، ويساهمون فى رفع أجور السكان الأصليين بوجه عام، رغم أنهم قد يخفضوا أجور العمال المحليين غير المهرة تخفيضاً طفيفاً، ويستفيد المهاجرون استفادة هائلة، فمن خلال الانتقال إلى أوروبا مع قوانينها وشركاتها الكفء، يمكن أن يكونوا أكثر إنتاجية وبالتالى ترتفع أجورهم.
وربما تكون حجة المتشككون، أن التأثير الثقافى للهجرة مقلقاً على نحو كبير وأن أوروبا ليست راغبة أو قادرة على استيعاب تدفقات المهاجرين الضخمة، ويعزف الأوروبيين عن استقبال المهاجرين عندما يرون حشود المهاجرين العاطلين عن العمل والذين لا يندمجون ثقافياً أو فكرياً مع المجتمع، كما هو الحال فى باريس أو مالمو، كما أنهم يخشون الإرهاب الإسلامى، ولاسيما بعد مذبحة شارلى إبدو ونزع سلاح الأسبوع الماضى من مغربية كانت تستقل قطاراً فرنسياً.
وليس كل من يعبر عن هذه المخاوف متعصباً، فمن الواضح أن مراقبة الجماعات الجهادية فى حاجة لأن تكون أكثر تشدداً، ولكن الإجابة على السؤال الأعم- كيف يمكن أن تدمج أوروبا المهاجرين اندماجاً أفضل؟- يمكن أن تتلخص فى 3 كلمات: “السماح لهم بالعمل”.
وانفتاح أوروبا على نحو أكبر مع أسواق عمل أكثر مرونة يمكن أن يحول أزمة اللاجئين إلى فرصة، مثلما فعلت أمريكا مع موجات متعاقبة من اللاجئين فى القرن الـ20، بما فى ذلك العديد من اللاجئين الأوروبيين، فمن الأفضل السماح للمهاجرين بدخول البلاد والسماح لهم بالعمل.