أحاول أن أقدم تصور متكامل قابل للحل لقضية علاج المصريين و كل من يعيش (الزوار و السائحون ) بمصر. الطريقة المعتادة في البحث عن الحل لن تؤدي إلا إلي اليأس و تأخير الحل لأجيال و أجيال قادمة.
بعد أن أقر المجتمع من خلال الدستور أن الصحة حق تكفلة الدولة و أقر كذلك بتخصيص نسبة متذايدة لتصل إلي 5 % من إجمالي الدخل القومي خلال الثلاث سنوات القادمة , علي المجتمع أن يجد حل قابلل للتحقيق لأنتشال المصريين من الأزمة الخطيرة التي نعيشها حاليآ. و المؤشرات الأقتصادية تظهر بوضوح إستمرار تنامي عجز مخصصات الصحة بالموازنة ليصل لأكثر من 64 مليار ج.م سنة 2015) تخصيص 5% للصحة من إجمالي الدخل العام المتوقع “110 مليار ج.م ” بينما المخصص الفعلي هو 46 مليار ج.م ) ولو أخذنا في الإعتبار أن أكثر من 85% من منتجات الصحة و خدماتها مرتبطة بالدولار و مرتبطة كذلك بالبحوث الجينية و التطوير الدائم (أكثر من أي صناعة أخري ), لعرفنا أن ما العجز سيتزايد بنسب مرتبطة مباشرآ بتغيير سعر الصرف و بما يعرف بتكلفة التغيير (Replacement cost) .لا بد من حل من خارج الصندوف , أي لا بد من حل واقعي يبني علي فكر أستثمارات قاعدة المثلث Base of the pyramid economy الأكثر عددآ و الأكثر مالآ في مجموعة و الأقل دخلآ للفرد الواحد.
لا تزال قضايا إستدامة الخدمة الصحية و متابعتها و توزيع الدواء وسوء إستخدامه و التفرقة بين سعر الخدمة الطبية و سعر الأعمال المساعدة و المكملة لها , من القضايا الأكثر تعقيدآ بمصر و العالم الثالث.Top of Formوعلاوة على ذلك، فأن تقديم الرعاية الصحية من الأمور شديدة التعقيد أذا ما قورنت بصنعات و خدمات أخري , والتعقيد يتمثل (في العموم)في الفرق الجوهري بين بنية الشركات عمومآ ونظم الصحة العامة. فمجال الرعاية الصحية هو أكثر تنوعا في منتجاتهو خدماتة و حجم و طرق توزيعها. واحتياجات الرعاية الصحية المحلية تختلف من مكان إلى آخرو مع إختلاف و تقدم العمر، الأمر الذي يجعل الاستفادة من قنوات التوزيع (مواقع تقديم الخدمة الطبية ) الجماهيري أكثر تعقيدا و أكثر أحتياجآ. وأذا ما حاولنا تطبيق نفس فكر توزيعات الشركات الكبري (خدمات أو منتجات ) , نجد أن تعقيدات الرعاية الصحية تعوق من تحقيق نفس التوزيع على نطاق واسع فخدمات الرعاية الصحية هي بعيدة كل البعد عن طريقة تقديم المشروبات وخدمات مشاهدة المباريات والمسارح وخلافة.
من ناحية أخرى، إذا قررنا التعامل مع الرعاية الصحية كسلعة عامةPublic good، واستخدام شركات كبري لتوزيع الخدمات الصحية, ذلك يمكن أن يخلق صراع حقيقي و تضارب في المصالح. وبعبارة أخرى، إن قدرتنا علي تحويل خدمات الرعاية الصحية الأساسية إلي سلع مثل المشروبات و المأكولات Public commodities، سيخلق تداعيات لأولئك الغير قادرين على تحمل تكاليف شراء هذه الخدمات أو علينا إيجاد الوسيلة التي تخلق أتاحة تلك الخدمات بصورة مستدامة و متساوية للجميع وفق الدستور. وعند أعتبار تلك الخدمات من السلع القابلة للبيع و الشراء و التوزيع , فعلينا أن نجد حل أخر يكمن في التفرقة بين الخدمة الصحية الأساسية و الخدمة الغير طبية المرتبطة بها Core medical services versus non-medical services. وربما الأهم علي الأطلاق , هو توفير العاملين الصحيين المدربين والأطباء و التمريض و مساعديهم و توزيعهم جغرافيآ وفق أحتياجات المجتمع المصري.
الحل لا بد أن يأتي من خارج الصندوق , لا بد أن نتحرر من الطريقة المعتادة لأيجاد الحلول و العديد من الدول وجدت حلول داخل قاعدة المثلث الأكثر عددآ و الأكثر مالآ كوحدة واحدة , بل لو دققنا لوجدنا أن العديد من الشركات العالمية الكبري قد أنتجت منتجات تخاطب بها هذة الشريحة الهامه و العديد من الدول ” شيلي و رواندا مثلآ ” وجدت أن في تطبيقات الأنترنت وسائل مؤثرة ورائعة لحلول عديدة لمكافحة الفساد و تخفيض تكلفة العلاج و خلافة .
المقترح ببساطة يكمن في تحفيز الأستثمار لأنشاء شركات مساهمة مصرية لا تهدف إلي الربح Non-profit social firms ( نحتاج إلي أصدار قانون بهذا الخصوص ) . تخلق تلك الشركات فكر التضامن الصحي و التكافل المجتمعي مع تحجيم سوء الإستخدام للدواء و للخدمة الصحية عمومآ.حجم الأستثمار لن يكون كبيرآ لأن تلك التجمعات الطبية ستتواجد حيث توجد الطبقة الفقيرة و الأكثر عددآ و ستتأرجح ما بين مليون ج.م للخدمة الأولية (ستخدم 250 ألف فرد ) و 10 مليون ج.م لبعض خدمات الرعاية الثانوية ( ستخدم 2 مليون فرد تقريبآ ) و مبلغ 30 مليون لبعض خدمات الرعاية الثالثية ( ستخدم 5 مليون فرد ). التفكير من خارج الصندوق سيخلق أستثمار محلي و شعور بالملكية و سيتيح خدمة الوقاية و الحد من المضاعقات الطبية (20% من المجتمع مصاب بمرض السكري ) الخطيرة للأمراض المزمنة و سيخلق وظائف تتراوح بين 150 – 400 للمركز الواحد. التكافل الصحي لقاعدة المثلث هوأحد الحلول المؤثرة أذا أراد المجتمع المصري مواجهة المخاطر الصحية الخطيرة التي تحيط بة.
المقال بقلم : د. خالد سمير العضو المنتدب لمستشفيات ومراكز دار العيون
جمعية حوكمة القطاع الصحي