بقلم ـ بيتر سينجر
عندما يجتمع قادة العالم والممثلون الحكوميون فى مؤتمر التغير المناخى التابع للأمم المتحدة نهاية الشهر الحالى، ستكون حياة الملايين على المحك على مدار عقود مقبلة، وكذلك مصير عدد غير معلوم من النباتات والحيوانات المعرضة للخطر.
وفى «قمة الأرض» فى ريو دى جانيرو فى عام 1992، وقعت 189 دولة، بما فيها الولايات المتحدة، والصين، والهند، وكل الدول الأوروبية، على اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ.
واتفقت على تقليل انبعاثات الغازات الدفيئة عند «مستويات منخفضة بما يكفى لمنع التدخل البشرى الخطير فى النظام المناخى».
وحتى الآن، لم يتم إجراء أى خفض.. ودونه سيستجيب المناخ بمزيد من الارتفاع فى درجة الحرارة.
وفى ظل وجود جليد أقل فى القطب الشمالى ليعكس ضوء الشمس، ستمتص المحيطات مزيدا من الدفء، مما سيؤدى إلى ذوبان جليد سيبريا وإطلاق كميات هائلة من غاز الميثان.
ونتيجة لذلك، ستصبح مساحات شاسعة من كوكبنا غير مناسبة للحياة البشرية، فى حين أنها تضم الآن مليارات الأشخاص.
وسعت الاجتماعات السابقة للدول الموقعة على الاتفاقية الإطارية، إلى التوصل لاتفاقات ملزمة قانونا بشأن تقليل الانبعاثات على الأقل بالنسبة للدول الصناعية التى بثت معظم الغازات الدفيئة فى غلافنا الجوى.
وتعثرت هذه الاستراتيجية – جزئيا بسبب تعنت الولايات المتحدة فى عهد جورج دبليو بوش – ثم تم التخلى عنها عندما فشل مؤتمر كوبنهاجن فى 2009 فى إنتاج معاهدة تحل محل برتوكول «كيوتو» المنتهية صلاحيته، الذى لم توقعه أمريكا قط.
وبدلاً من ذلك، اقتصر ميثاق كوبنهاجن على الطلب من الدول، التعهد طوعا بتقليل انبعاثاتها بكميات محددة.
وأصبحت نتائج هذه التعهدات متاحة.. وفشلت 154 دولة من بينها أكثر الدول بثا للغازات، فى الالتزام بما هو مطلوب.
وحتى نفهم الفجوة بين ما قد يحققه تقليل الانبعاثات طوعا وبين ما هو مطلوب، يجب أن نعود إلى اللغة التى تقبلها الجميع فى ريو دى جانيرو.
فقد كانت الكلمات غامضة فيما يتعلق بجانبين، الأول ما الذى قد يشكل «تدخلا بشريا خطيرا فى النظام المناخى»، وثانياً ما هو مستوى الأمان المفترض بكلمة «منع»؟
وتم حل الغموض الأول من خلال قرار يستهدف مستوى من الانبعاثات يحد من الزيادة فى درجة الحرارة عند 2 درجة مئوية فوق مستوى ما قبل الثورة الصناعية، ومع ذلك يرى العلماء خطورة حتى وإن كان المستوى المستهدف أقل من ذلك.. فقد ارتفعت درجة الحرارة حتى الآن بمقدار 0.8 درجة مئوية.
وشهد الكوكب درجات حرارة غير مشهودة من قبل، وتقلبات متطرفة فى المناخ، وذوبان كبير فى الغطاء الجليدى فى جرين لاند.
وفى كوبنهاجن، لم يلتفت أحد لتوسلات ممثلى الجزر الصغيرة بتخفيض المستوى المستهدف إلى 1.5 درجة، لأن قادة العالم اعتقدوا أن الإجراءات المفترض اتباعها للالتزام بهذا المستوى غير واقعية سياسيا.
ومع ذلك، لا يزال الغموض الثانى باقياً، إذ قام معهد جرانثام للأبحاث، التابع لكلية الاقتصاد بجامعة لندن، بتحليل تقارير الانبعاثات التى قدمتها الـ 154 دولة.
واستنتج أنه حال تطبيق التعهدات، سترتفع الانبعاثات من مستواها الحالى عند 50 مليار طن سنويا، إلى 55- 60 مليار طن بحلول 2030.
ولكن للحصول حتى على فرصة بنسبة 50% للحفاظ على مستوى 2 درجة مئوية، يجب أن تنخفض انبعاثات الكربون إلى 36 مليار طن سنويا.
وأظهر تقرير من المركز الوطنى الاسترالى لتجديد المناخ، لا يقل خطورة عن سابقه، أن مستوى الانبعاثات الحالى فى المناخ الجوى يعنى أن احتمالات تخطينا مستوى 2 درجة مئوية تصل إلى 10%، حتى إن توقفنا عن إضافة مزيد من الانبعاثات حالا.. وهو ما لن يحدث.
إذاً، فما هو البديل؟
تجادل الدول النامية بأن حاجتها للطاقة الرخيصة لانتشال شعوبها من الفقر، أعلى من حاجة الدول المتقدمة للحفاظ على مستوياتها المستهترة فى استهلاك الطاقة، وهم محقون فى ذلك، ولهذا ينبغى على الدول الغنية أن تستهدف تقليل انبعاثات الكربون من اقتصاداتها فى أقرب وقت ممكن. وقد تبدأ بإغلاق أسوأ مصدر لإنتاج الطاقة، وهى المحطات التى تعمل بالفحم، ورفض إعطاء تراخيص لتطوير مناجم الفحم.
وهناك مكسب سريع يمكن تحقيقه من خلال تشجيع الناس على أكل الأطعمة القائمة على المنتجات الزراعية، ربما من خلال فرض ضرائب على اللحم، واستخدام الإيرادات فى دعم بدائل أكثر استدامة.
وطبقا لمنظمة الزراعة والغذاء التابعة للأمم المتحدة، يعد قطاع الثروة الحيوانية ثانى أكبر مصدر لانبعاثات الغازات الدفيئة، بعد قطاع النقل.
وبالطبع سيساهم تقليل تناول اللحوم الحمراء فى تقليص فرص إصابتنا بالسرطان، مثلما أوضح تقرير حديث لمنظمة الصحة العالمية.
وقد تبدو هذه المقترحات غير واقعية، ولكن أى شىء دونها، سيكون بمثابة جريمة ضد ملايين البشر الأحياء منهم، والذين لم يولدوا بعد، وضد النظام البيئى الطبيعى بأكمله على كوكبنا.
المصدر: موقع «بروجكت سينديكيت»