بقلم/ألبرشت فون بوسيلاجر
كانت أزمة اللاجئين، إحدى السمات المحددة لعام 2015.
وسيكون إيجاد حل لهذه الأزمة، أحد التحديات السياسية فى 2016.. لكن تحقيق ذلك يتطلب أن نفهم أولا اقتصاديات الأزمة.
فمعظم اللاجئين الباحثين عن ملجأ، يضعون حياتهم فى أيدى المنظمات الإجرامية المتخصصة فى تهريب البشر، وهو ما أصبح قطاعا منتعشا يتغذى على اليأس البشرى، ولن يتوقف فى المستقبل القريب.
وباعتباره أحد أكثر الأعمال ربحا فى وقتنا الحالى، وصل تهريب المهاجرين إلى مستوى من التطور والتعقيد بحيث يصعب القضاء عليه بسهولة.
وأدت الحروب والاضطرابات الأهلية فى سوريا، وإريتريا، وأفغانستان، والكثير من الدول الأخرى إلى زيادة الطلب على خدمات التهريب التى أصبحت الآن تقدم من خلال شبكة واسعة النطاق ومرنة.
ويشير وجود هذا السوق إلى أن أى سياسة للتعامل مع تهريب البشر، ينبغى أن تستهدف كلاً من العرض والطلب.
أما بناء الجُدر، وإنشاء الأسوار الشائكة، وإغلاق الحدود.. فكل ذلك سيقلل جانب العرض، دون أن يوقف الطلب.
بل على العكس.. سيؤدى انعدام الأمان والقنوات القانونية إلى تغذية الطلب على خدمات التهريب. وقد أكد القادة فى أوروبا وأفريقيا ذلك فى قمة الهجرة الشهر الماضى فى مالطا.
ولمواجهة هذه الصناعة التى ظهرت حديثا، ينبغى تطبيق تدابير حدودية منظمة، وضوابط قانونية. كما يعد تقليص أرباح تهريب البشر من خلال خنق الطلب وليس العرض، أمرا حيويا لتحقيق استقرار طويل الأجل، بدلا من إنشاء جدر وغلق الحدود.
فالمهاجرون سيلجأون إلى طرق مختلفة فى وقت قصير بمساعدة المهربين البارعين.
وبينما كانت العمليات العسكرية، التى تستهدف تدمير القوارب، وغيرها من البنية التحتية للتهريب ناجحة فى عملية «أتلانتا»، وهى حملة بحرية أوروبية استهدفت القضاء على القرصنة قبالة سواحل الصومال، فإن هذه الطرق لا يمكن تطبيقها عندما تكون القوارب محملة باللاجئين.
وعلاوة على ذلك، سيؤدى نقص القوارب إلى زيادة أكبر فى حشو اللاجئين على أسطح هذه القوارب المتبقية.. وسيشجع ذلك المهاجرين على بناء عواماتهم الخاصة.
ومحاصرة أو إغراق القوارب يمكن أن يقلل ربحية التجارة. لكن قطاع التهريب سريع التفاعل، لدرجة أنه يأتى بطرق مبتكرة للتغلب على استخدام الطائرات دون طيار فى عمليات تعقب السفن.
وهناك أمر آخر ينبغى مواجهته، وهو تدفق القوارب القابلة للنفخ إلى ليبيا والتى تباع إلى المهاجرين، وتلك أصبحت تجارة أخرى منتعشة فى الدولة، التى غابت عنها سيادة القانون، وفى طريقها لأن تصبح المركز الرئيسى للجريمة المنظمة فى منطقة وسط المتوسط.
وبينما يركز الاهتمام الدولى على القضايا السياسية فى سوريا وحولها، فنحن غالبا ما ننسى التداعيات الاقتصادية للاجئين، والأوضاع السيئة للسوريين، الذين يعيشون فى المخيمات فى الدول المجاورة.
وتم تقليص المؤن اليومية المخصصة لوكالات المساعدة بشكل كبير. واليأس وحده هو ما يدفع أم أو أب للمخاطرة بإغراق أبناءهم بحثا عن مستقبل أفضل.
ولا يوجد حل فورى.. لكن هناك خطوات يمكن اتباعها للتوصل إلى حل فعال ومستديم. وتشمل الأولويات سياسة لجوء أوروبى موحدة، وقنوات قانونية لكى يطلب اللاجئون من خلالها اللجوء، دون أن يخوضوا رحلات خطيرة عبر البحر أو سيارات الشحن.
كما نحتاج إلى تدابير طويلة الأجل لمحاربة الاتجار بالبشر، وإلى مساعدات اقتصادية أكبر للاجئين فى الدول المجاورة لسوريا، بجانب سياسات تعاون وتنمية عبر البحر المتوسط وأفريقيا.
وكل ذلك يتطلب منا الشجاعة والرؤية، وينبغى أن يضع القادة بعيدو النظر السياسات، وأن يعتمدوا على خبرة مؤسسات ووكالات المساعدات التى تعمل على الأرض، وعلى خبرة الأشخاص الذين يتعاملون بشكل يومى مع الأزمة، لأنهم وحدهم القادرون على رؤية الواقع بعيدا عن الشعارات الانتخابية المصطنعة.
المصدر/صحيفة «فاينانشال تايمز»