صندوق النقد الدولى: «العولمة» تقف وراء تحييد أثر انخفاض قيمة العملة على الاقتصاديات الصناعية
ربما أصبحت العلامة التى تحمل «صُنِع فى روسيا» شائعة الآن؟ نعم ما دام انخفاض قيمة العملة وحده يمكن أن يعزز الصادرات. ويشير التقرير الأخير لمؤشر البيج ماك إلى أن الروبل الروسى أحد أرخص العملات عالمياً، وتقل قيمته حوالى 69% عن الدولار الأمريكي.
ووفقاً لمجلة الإيكونوميست، يضع المؤشر تكلفة ساندويتش البرجر فى مختلف منافذ ماكدونالدز العالمية كوجه مقارنة، لقياس أداء العملات والمقارنة بينها، حسب سعر ساندوتش (Big Mac)، عن طريق تحويل قيمته من العملة المحلية فى شتى الدول إلى دولارات باستخدام أسعار الصرف السائدة فى السوق (اعتباراً من 6 يناير الماضي).
وتعتمد الفكرة التى يتبناها المؤشر على انضباط أسعار الصرف على المدى الطويل، بحيث يمكن لدولار واحد أن يشترى نفس كمية السلعة فى أى دولة، وهنا يتضح ما إذا كان البرجر سلعةً رخيصةً لإحدى العملات، فتلك العملة أقل من قيمتها المفترضة.
وهناك أسعار جيدة، رخيصة، للبرجر خارج الولايات المتحدة يصعب الاختيار فيما بينها، ومع ذلك يظهر المؤشر أن معظم العملات تقل قيمتها مقارنة بالدولار، وُيعزى ذلك جزئياً إلى قرار الاحتياطى الاتحادى رفع أسعار الفائدة فى الوقت الذى كانت تقوم فيه البنوك المركزية فى منطقة اليورو واليابان بتيسير سياستها النقدية.
ويشير المؤشر إلى أن اليورو أقل 19% من قيمته مقابل الدولار، كما أن الين أقل 37% أيضاً. واستنزف انكماش الطلب من الصين ووفرة المعروض قيمة الصادرات من أستراليا والبرازيل وكندا، ما تسبب فى إضعاف قيمة عملاتها، أيضاً، ويوضح المؤشر، أن عملات تلك الدول على التوالى أقل بنسبة 24% و32% و16% من قيمتها، وإذا استمرت أسعار السلع فى الانخفاض، فإنه يمكن أن تتراجع إلى أبعد من ذلك.
ويمكن لهذا الانخفاض الهائل فى قيمة العملة أن يكون لها آثاره، من خلال رفع أسعار الواردات وتحفيز التضخم، ولكن على الرغم من كون انخفاض قيمة العملة أمراً غير مرحب به، فإنه قد يحمل بعض المزايا.
وكشف تحليل أجراه صندوق النقد الدولى حول 60 من الاقتصادات العالمية، أن الانخفاض فى قيمة عملاتها بنسبة 10%، مقارنة بعملات شركائها التجاريين ما بين عامى 1980 و2014، قد عزز صافى الصادرات بنسبة 1.5% من الناتج المحلى الإجمالى على المدى الطويل،وجاء معظم التحسن خلال السنة الأولى.
ولم يقدم انخفاض قيمة العملة نفس التعزيز مؤخراً، واليابان خير مثال، التى خفضت قيمة الين بسرعة. وكان سعر (البيج ماك) أرخص 20% فى اليابان مما كان عليه فى أمريكا عام 2013، والآن أصبح أرخص 37%، وبالكاد لم يؤثر هذا الأمر على حجم الصادرات سوى بنسبة هزيلة.
وتقول مجلة الإيكونوميست، إن هذا الأمر يمثل مفاجأة، حيث تشير تقديرات صندوق النقد الدولى إلى انخفاض الصادرات اليابانية 20% عما كان متوقعاً مع تراجع قيمة الين، كما أن نتائج انخفاض قيمة العملة فى البلدان الأخرى، بما فى ذلك جنوب أفريقيا وتركيا، أيضاً كانت مخيبة للآمال.
وأضافت المجلة، أن انكماش حجم التجارة العالمية المقومة بالدولار قد يحجب فوائد تخفيض قيمة العملة، ورغم أن الصادرات من البلدان ذات العملات المنخفضة قد تبدو مترنحة، فإن كثيراً منها لا يزال يحتفظ بنصيب لا بأس به من كعكة التجارة المنكمشة.
ولعل انهيار أسعار السلع الأساسية يحجب أيضاً بعض النتائج الجيدة، حيث ارتفع حجم صادرات البرازيل 10% فى عام 2015، تزامناً مع انخفاض قيمة عملتها بنسبة 22%. ويُعزى السبب إلى قيام مصدرى السلع بالتعويض عن انخفاض الإيرادات من خلال بيع من المعادن والبترول أكثر من أى وقت مضى.
وأضف إلى ذلك ما أشار اليه بنك «كومنولث بنك أوف أستراليا» بارتفاع صادرات السلع الأخرى من المواد الخام بنحو 6% فى منتصف 2015 فى أستراليا. ولكن هناك أيضاً مؤشرات على التأثيرات السلبية على قدرة البلدان المنتجة للسلع الأساسية على زيادة الصادرات الأخرى بما فى ذلك هولندا، فعندما كانت الأسعار مرتفعة، تدفقت رؤوس الأموال، ما أدى إلى ارتفاع عملاتها، وبالتالى جعل صادراتها الأخرى أقل قدرة على المنافسة.
وأدى تدفق العمالة والاستثمارات بشكل رئيسى إلى شركات السلع الأساسية إلى عدم قدرة الصناعات الأخرى على تحسين مواردها لتجنب وطأة الركود حالياً خاصة والعملات التى ارتفعت قيمتها مرة واحدة تراجعت مرة أخرى إلى أدنى مستوى.
وروسيا مثال جيد؛ حيث يبدو أن البلدان غير المصدرة للطاقة تعانى على الرغم من انخفاض قيمة الروبل. وقالت بريجيت هانسل، كبيرة الاقتصاديين فى البنك الدولى، إن حجم صادرات الطاقة ارتفع، وانخفضت الصادرات غير البترولية خلال النصف الأول من عام 2015. وتشير «هانسل» إلى أنه لا يكفى أن يكون هناك تغيير فى سعر العملة فحسب: «أولاً عليك أن تنتج شيئاً يريد أن يشتريه الآخرون».
ويعد ضعف الروبل فرصةً للصناعات التى تُصدر بالفعل، مثل الكيماويات والأسمدة، ولكن زيادة الصادرات الأخرى تتطلب الاستثمار فى عمليات إنتاج جديدة تستغرق وقتاً طويلاً. وضع كل من صندوق النقد الدولى والبنك الدولى تفسيراً محتملاً آخر لضعف أداء الصادرات فى البلدان التى شهدت هبوطاً فى عملاتها مثل انتشار سلاسل التوريد العالمية،وحولت العولمة الكثير من البلدان إلى نقاط رئيسية لتصنيع المنتجات الفردية.
ونقلت المجلة عن الصندوق قوله إنه يتم استيراد مكونات التصدير والإضافة إليها وإعادة تصديرها ثانية، وهذا يعنى أن الكثير مما تكسبه الدولة من خلال تخفيض قيمة العملة وتعزيز القدرة التنافسية لصادراتها، تفقده مرة أخرى عن طريق الواردات الأعلى سعراً.
ويؤكد صندوق النقد الدولى، أن تلك النقطة كانت سبباً رئيسياً فى تباطؤ صادرات اليابان، وساهمت فى تقليص تأثيرات تخفيض قيمة العملة على الصعيد العالمى 40%، وهذا ما ترك كثيراً من اقتصاديات التصنيع فى ورطة.