بقلم: كريم صادق
تبذل مصر مجهوداً كبيراً لاستعادة العلاقات الاقتصادية مع الدول الأفريقية الأخرى فى مجالى التجارة والاستثمار بعد فترة طويلة من الإهمال، وحتى وقت قريب فى 2015، لم تتجاوز نسبة التجارة الثنائية بين الدولة وباقى القارة 3% من إجمالى التجارة المصرية، ولكنها بدأت فى الارتفاع الآن.
وفى إشارة إلى تجدد التزام مصر نحو أفريقيا، رحبت بكبار الشخصيات السياسية والاقتصادية عبر القارة بما فى ذلك 10 رؤساء فى منتدى أفريقيا فى شرم الشيخ فى 20 و21 فبراير، ويعكس مستوى المشاركة زخم المباردة الإفريقية نحو تكامل اقتصادى إقليمى.
وربما نتساءل لماذا تقوم مصر بهذا التحول نحو أفريقيا الآن؟ لا يخفى على أحد حجم وإمكانات السوق الأفريقى، وسوف تضم الاتفاقية الثلاثية لمنطقة التجارة الحرة “تفتا”، أكثر من 600 مليون نسمة، ودول يزيد ناتجها المحلى الإجمالى مجتمعا على تريليون دولار.
كما تشمل اتفاقية “تفتا”، الموقعة العام الماضي، أهم ثلاث تكتلات اقتصادية وهى السوق المشتركة لدول شرق وجنوب أفريقيا “الكوميسا”، ومجموعة شرق أفريقيا “أياك”، ومجموعة التنمية لأفريقيا الجنوبية “سادك”، ما من شأنه أن يخلق كتلة اقتصادية تمتد من القاهرة إلى كايب تاون.
وتنتج مصر بضائع تامة الصنع تشتد الحاجة إليها فى أفريقيا، فى حين أن دافع مصر لتحسين دخلوها لهذه الأسواق واضحاً ألا وهو بث الاستقرار فى الشرق الأوسط، والركود الذى يعانى منه الشركاء الأوروبيون التقليديون.
ومع ذلك، لا يزال الحذر واجباً لضمان توازن شروط التجارة، ولتهدئة مخاوف الحكومات الأفريقية من أن التنمية المحلية الصناعية لن تتأثر بالواردات.
وعلى نطاق أوسع، يعد حجم التجارة البينية الأفريقية تافها بالمقارنة بإجمالى التدفقات التجارية فى أفريقيا عند 12% فقط، فى حين تبلغ التجارة البينية فى آسيا الناشئة 53%، وتصل إلى 60% فى الاتحاد الأوروبى، وبالتأكيد تلعب الحمائية والروتين دوراً فى ذلك، وفى هذا السياق تعد اتفاقية “تفتا” مرحبا بها، ولكن العائق الأكبر هو الفجوة الحالية فى البنية التحتية.
ويعد التفاوت فى البنية التحتية مشكلة رئيسية عبر القارة، ولكن رغم الفوائد الكامنة فى الاستثمار فيها، والحاجة الماسة لمثل هذا الاستثمار، لا يزال الأمر يتطلب مهارات خاصة لجمع الدعم المالى الذى يقبل حجم المخاطر المنطوية.
وهذا صحيح بشكل خاص فى ضوء فشل الوسطاء الماليين المحليين التقليديين (البنوك، سوق الأسهم، شركات التأمين) فى تحويل الثروة الصافية الأفريقية الكبيرة إلى أصول إنتاجية، وتتراوح أسباب ذلك من الفوائد المصرفية التى تتجاوز 10%، إلى أسواق رأس المال غير السائلة.
ونتيجة لذلك تتنهى الثروة الصافية فى أرصدة مصرفية أو عقارات فى الخارج، وهذا يعد صحيحاً بشكل خاص فى الوقت الحالى الذى يهيمن فيه تراجع العملة وارتفاع أسعار الفائدة على القارة.
واعتقد أن مصر لديها الكثير لتقدمه لبقية أفريقيا، فقد مرت مؤخراً بتقلبات سياسية واقتصادية، ومع ذلك ظلت تسعى وراء مشروعات حيوية مثل مد قناة السويس ومترو القاهرة، بالإضافة إلى تطوير شركة القلعة لمشروع الشركة المصرية للتكرير بتكلفة استثمارية قدرها 3.7 مليار دولار، والمزمع الانتهاء منه فى 2017، رغم نشأته فى ظروف صعبة، ولقد عملنا بشكل وثيق مع العديد من المساهمين من أنحاء العالم لجعل ذلك يحدث.
وفى ظل التوسع الحضرى، والمشروعات السكنية ومشروعات الطاقة الكبيرة الجارية فى مصر حاليا، سوف تنمو الخبرة والقدرة المتعلقة بتطوير البنية التحتية أكثر، وبالطبع سيكون عدم الاستفادة من ذلك فى أفريقيا فرصة ضائعة، وفى نفس الوقت، نأمل أن يتم تطبيق أى حلول مبتكرة يتم تطويرها فى نيروبى، كيناشاسا، لاجوس، جوهانسبيرج، وغيرها بنجاح فى القاهرة أيضا.
وبخلاف البنية التحتية، يرى المستثمرون المصريون فرصاً استثمارية لأنهم يؤمنون بأن اتجاهات الاقتصاد الكلى التى تدعم النمو فى أفريقيا سوف تستمر على المدى الطويل، وتشمل التحضر الشامل، ونمو السكان، وتحسين الحوكمة.
كما أن مصر لديها شعب شاب متحضر ذى قوة شرائية متزايدة، وهذا قد يساعد على رفع الناتج المحلى الإجمالى غير القائم على الموارد للدول الأفريقية بنسبة 6% إلى 7%، وذلك سيكون له نتائج إيجابية على استثماراتهم وشركاتهم.
وينبغى أن تكون مصر أيضا جذابة للمستثمرين الأفارقة باعتبارها ثالث أكبر اقتصاد فى القارة، وثالث أكبر عدد سكان، كما أن مصر معروفة إقليميا بانفتاحها على الشركات الأجنبية، وبقطاعها المالى القوى، بجانب ارتفاع الطلب منها على المنتجات الزراعية والسلع، وعلى سبيل المثال تعد واحدة من أكبر الوجهات التصديرية للشاى الكينى.
ومع ذلك، فإن الإمكانات الحقيقية لا يمكن حسابها بتجارة البضائع فقط، فمن الغريب ألا يكون هناك مستثمر واحد فى مصر من منطقة أفريقيا جنوب الصحراء، وهذا يحتاج إلى تصحيح بالنظر إلى حجم السيولة والثروة الصافية فى القارة، بجانب القدرة الملهمة على ريادة الأعمال، التى نراها فى هذه الأسواق.
المصدر: فاينانشيال تايمز
اقتباس: لماذا تقوم مصر بهذا التحول نحو أفريقيا الآن؟
اقتباس: التفاوت فى البنية التحتية مشكلة رئيسية عبر القارة
