ليس من السهل الوثوق فى ارتفاع عملات الأسواق الناشئة الذى بدأ منذ شهر فبراير الماضى، خصوصاً وان العملات التى سجلت الارتفاع الأكبر فى الأسابيع الأخيرة (الروبل والريال والراند) هى تلك التى تراجعت إلى أدنى مستوياتها منذ مايو 2013، عندما بدأت عمليات البيع المفرط فى الأسواق الناشئة.
وأوضحت مجلة «الإيكونوميست» البريطانية، إن الأسباب المباشرة لهذا الارتفاع واضحة، يكمن أحدها فى تلاشى المخاوف بالنسبة للاقتصاد الصيني.
وفى بداية عام 2016، بدت رؤوس الأموال تهرب من الصين بوتيرة سريعة فى إشارة إلى عدم الثقة فى الاقتصاد الصينى، وواجه «اليوان» خطر فقدان استقراره أمام الدولار، مما زاد المخاوف إزاء جولة من الخفض التنافسى لقيمة العملات عبر آسيا وما وراءها.
وتغيرت وجهات النظر خلال اجتماع مجموعة العشرين الذى انعقد فى فبراير الماضى بمدينة شنغهاى، إذ عززت السياسات التحفيزية، بما فى ذلك اتساع عجز الموازنة ونمو أسرع للائتمان، تعهدات السلطات الصينية غير الرسمية بعدم السماح بتراجع الاقتصاد.
وأوقف تشديد ضوابط رأس المال، هروب التدفقات المالية من الصين، وارتفعت أسعار السلع، مثل خام الحديد، على خلفية ازدهار قطاع الإنشاءات الصينى، فى حين ارتفعت أيضاً عملات الدول المصدرة للمواد الخام، والعامل الثانى الذى دفع عملات الأسواق الناشئة للارتفاع هو التغيير الذى طرأ على سياسات الاحتياطى الفيدرالى.
ففى ديسمبر الماضى، رفع «الفيدرالى» أسعار الفائدة الرئيسية للمرة الأولى منذ 10 سنوات، ولمح إلى 4 زيادات أخرى عام 2016، لكنه منذ ذلك الحين، تراجع عن تلك التوقعات، وقد يستمر تحسن أوضاع الأسواق الناشئة، لفترة من الوقت، لكن ليس إلى ما لا نهاية.
فلم تزد سياسة تيسير الائتمان فى الصين سوى ركام ديونها المقلقة، وسيستأنف «الاحتياطى الفيدرالى»، فى نهاية المطاف، إجراءات تشديد سياسته النقدية، وستبدو انتعاشة الأسواق الناشئة مؤخراً مجرد حدث إيجابى.
ولفهم السبب، سنعود إلى مايو 2013، عندما لمح «الاحتياطى الفيدرالى»، إلى أن برنامج شراء السندات سينخفض تدريجياً، الأمر الذى عزز هروب رؤوس الأموال من الأسواق الناشئة، وقبل أن يبدأ الاحتياطى الفيدرالى فى تحويل سياسته النقدية اتسع العجز التجارى فى الدول الناشئة، مما جعلها أكثر اعتماداً على الاقتراض الخارجى لسد الفجوة، لذلك عندما بدأ الاحتياطى الفيدرالى فى رفع أسعار الفائدة بالفعل، كانت الاقتصادات الأكثر اعتماداً على رأس المال الأجنبى هى الأكثر تضرراً.
ولكن الصورة اختلفت تماماً عام 2016، إذ تدير الأسواق الناشئة جميعها فائضاً تجارياً وحقيقياً أن هذا التحسن، نتيجة تراجع الطلب على الواردات الأكثر تكلفة وليس جراء انتعاش الصادرات، إلا أن هذا يعد نمطاً نموذجياً من التحسن (انخفاض الواردات أولاً، ثم تعافى الصادرات لاحقاً)، ولاتزال توجد بعض الفخاخ التى يمكن تجنبها، وتعد الصين أوضحها.
فالاضطرابات التى تجددت فى اقتصادها قد تضر بمنتجى السلع من خلال تراجع الأسعار، لكن هذا الأمر لن يؤدى إلى مزيد من انخفاض الاستثمارات فى التنقيب والتعدين التى تراجعت بشدة بالفعل.
وربما يكون الخطر الأكبر فى الاقتصادات الغنية إلى حد ما التى تمد الصين بالسلع نصف المصنعة أو تامة الصنع، مثل سنغافورة وكوريا الشمالية وتايوان، ولكن كل هذه الدول تتمتع بحماية كافية فى شكل فائض تجارى واحتياطيات نقد أجنبى.
ويكمن القلق الثانى فى ارتفاع أسعار الفائدة فى أمريكا، إذ من المتوقع أن ترتفع قيمة الدولار حتى مع رفع «الاحتياطى الفيدرالى» أسعار الفائدة بشكل ضئيل. ويبدو أن الدول التى تعانى عجزا كبيرا فى الحساب الجارى، مثل كولومبيا، وجنوب أفريقيا، أو لديها كمية كبيرة من الديون الدولارية، مثل تشيلى، هى الأكثر تعرضاً للخطر.
وإذا أخذنا هذه الفخاخ فى الاعتبار، سنجد عدداً قليلاً من الأسواق الناشئة التى نشعر بالتفاؤل تجاهها، إذ تعانى روسيا بالفعل ركوداً عميقاً وانخفاضاً فى قيمة العملة، إلا أن لديها فائض فى الحساب الجارى وبنك مركزى كفء، كما من المرجح أن تتراجع معدلات التضخم العام الحالى.
وتعد الهند مستورداً صافياً للسلع، وترتبط ارتباطاً طفيفاً بالاقتصاد الصيني، ولديها عجز تجارى ضئيل.. والائتمان آخذ فى التراجع منذ سنوات، فى حين أن إندونيسيا تتمتع بمزايا مماثلة.
وإحقاقاً للحق فإن النمو الضعيف فى الاستثمارات فى الدول الناشئة التى لاتزال محفوفة بالمخاطر، هو العرض الأفضل.