تستعد زيمبابوى لطبع نسختها الخاصة من الدولارات الزيمبابوية، كما تبيع الحيوانات البرية فى محمياتها الطبيعية لجمع النقدية، ولكن العلامة الحقيقية على يأسها هى لجوئها إلى صندوق النقد الدولي.
وحتى وقت قريب، كانت الدول عبر أفريقيا لا تلجأ تقريباً لصندوق النقد الدولى باعتباره مقرض الملاذ الأخير، ولكنها بدأت تبتلع كبريائها، وتعد أنجولا الدولة الأحدث التى حصلت على أموال من صندوق النقد الدولى بعد أن أهدر قادتها مليارات الدولارات فى سنوات أسعار البترول المرتفعة.
ووقعت غانا اتفاقاً مع الصندوق العام الماضى بعدما أنفقت الحكومات المتتابعة ببزخ فى أوقات الانتخابات، وتتفاوض زيمبابوى على اتفاق مشابه بسبب معاناة اقتصادها من تراجع أسعار النحاس.
وتعد زيمبابوى حالة مختلفة، فبعد 15 عاماً من الانعزال تريد حكومة روبرت موجابى أن تصلح علاقاتها مع الغرب من خلال تسوية المتأخرات البالغة 1.8 مليار دولار والمستحقة لصندوق النقد والبنك الدوليين، وبنك التنمية الأفريقى، وأظهرت الصين حماسة لدعم موجابى ماديا أقل مما تمنته زيمبابوى.
وإذا تمكنت هرارى من تسوية متأخراتها، فستكون مؤهلة للحصول على قروض جديدة، ولكن حذرهم مسئول شئون دولتهم لدى الصندوق من أنه لا يوجد شيء مجاني، وقال: «الشروط الاقتصادية كبيرة، والإصلاحات الاقتصادية يجب أن تحدث الآن».
ويشبه ما يحدث الآن، ما حدث فى الثمانينيات عندما طالب النقد الدولى مقابل تقديم قرض طارئ الدولة بمجموعة من الإصلاحات تعرف ببرامج التعديل الهيكلية والتى فرضت تخفيضات كبيرة فى الإنفاق على الخدمات العامة، وتضمنت عمليات خصخصة وتحرير مالى وتجارى، وألقى الكثيرون اللوم على هذه السياسات بأنها دمرت مخصصات الدولة الهزيلة بالفعل للمدارس، والمستشفيات، والشرطة، والأمن.
وفى عام 1990، حسنت العديد من الحكومات الأفريقية من طريقة إدارتها للاقتصاد، وخفضوت العجوزات، وكبحوا جماح التضخم، وفى بعض الحالات، اختلسوا أموالاً أقل، وبقرب نهاية القرن، كانت معظم الاقتصادات الأفريقية فى وضع أحسن، وضخت الصين مليارات الدولار مقابل البترول والنحاس والحديد الخام.
وتدفقت أيضاً البضائع الصينية الرخيصة، ورغم أنها دمرت الصناعات المحلية، بدءاً من قطاع المنسوجات النيجيرى، وحتى صناعة الأحذية فى غانا، فإنها عززت القوة الشرائية للأفارقة العاديين، وساعدت على ظهور طبقة مستهلكة، وإن كانت هشة.
وعلاوة على ذلك، كان هناك بعض التطورات الإيجابية، وشطب الدائنين الغربيين معظم الديون الأفريقية المستحقة لهم، ولأول مرة، استطاعت العديد من الدول الاقتراض من البنوك التجارية، وكدّست الدول المصدرة للسلع من أنجولا إلى زامبيا أكواما من الأموال، وفى ظل هذه الوفرة، تضائلت أهمية صندوق النقد الدولي، الذى يطالب بـ«الإدارة الرشيدة»، و«الانضباط المالى»، فى الدول الأفريقية.
والآن، تمر الدول الأفريقية بأوقات أكثر صعوبة، حيث تراجعت أسعار السلع، وأصبحت الأسواق الرأسمالية أقل سخاء، وضرب الجفاف عدة دول فى جنوب أفريقيا، وفى الأوقات الجيدة، عادت بعض الحكومات الأفريقية للعادت السيئة القديمة، فعلى سبيل المثال، اعترفت موزمبيق مؤخراً بأنها راكمت ديوناً غير معلن عنها بقيمة 1.4 مليار دولار، كما أن كل الأموال التى تم جمعها لتعزيز إنتاج التونة تم إغداقها على سلاح البحرية.
وموزمبيق ليست وحدها، فوفقاً لمعهد «ماكينزى»، عانت القارة (بما فى ذلك شمال أفريقيا) متوسط عجز فى الموازنة يبلغ 6.9% من الناتج المحلى الإجمالى فى 2015، ما يعد أكثر من ضعف العجز الذى شهدته فى 2010 عند 3.3%، وفى ذلك العام، كانت تتمتع أفريقيا بفائض فى الحساب الجارى بنسبة 0.4%، وبحلول 2015، أصبحت تعانى من عجز بقيمة 6.7%.
وفى مثل هذه الأوقات، تلجأ الحكومات إلى صندوق النقد الدولى، ولحسن الحظ، ربما تكون الأمور ليست سيئة للغاية هذه المرة، فرغم أن العديد من الحكومات الأفريقية لاتزال معيبة، فإن اقتصاداتها الكبيرة تدار بشكل أفضل، وبقليل من الحظ، قد تستطيع معظمها تجنب التعثر الصريح، ويقول أبيبى أمريكو سيلاسى، نائب مدير القسم الأفريقى فى صندوق لنقد الدولى: «إن هناك تحسناً كبيراً فى المشهد السياسى للاقتصاد الكلى فى معظم الحالات».
وخارج نيجريا، حيث يكّن الرئيس محمد بخارى كراهية متأصلة للصندوق، تضائل الشعور بالعار بشأن اللجوء إلى صندوق النقد الدولى، وربما يعود ذلك جزئياً إلى أنه لم يعد مصمماً على إقحام الدواء الليبرالى فى حلق المتلقيين، وإنما أصبح أكثر اهتماماً بالبرامج التى تحمى قطاعات الصحة والتعليم وتخفف الفقر.
إعداد: رحمة عبدالعزيز
المصدر: صحيفة «فاينانشيال تايمز»