تتبع أسعار البترول مجموعة من الأحداث، وكذلك التفكير بشأن مستقبل الدول المنتجة للبترول. وأصدر الأسبوع الجارى الملياردير الروسي، بيتر أفين، وخبيران اقتصاديان فى موسكو مقالاً يحللون فيه ما أطلقوا عليه «غروب شمس البترول»، وهو ما يعكس مخاوف النخبة فى السعودية، ولكنه يعكس، أيضاً، التفكير التقليدى فى أواخر تسعينيات القرن الماضي، عندما كان البترول رخيصاً أيضاً.
وتعد التحليلات والتوقعات من أفين والمؤلفين المشاركين للمقال فى غاية الأهمية، إذ كتبوا أن الدول المنتجة للبترول، بدءاً من روسيا حتى فنزويلا، ومن كازاخستان حتى الخليج الفارسي، استخدمت إيرادات البترول للتمتع بنموذج الاستهلاك الغربى دون الاشتراك فى القيم الغربية التى جعلته ممكناً، وتواجه الآن خطر انتهاء الأمر بها مثل منتجى المطاط الطبيعى بعد اختراع المطاط الصناعي- الاعتماد على منتج لم يعد يولّد إيرادات بسبب ندرته، ولكن مجرد بيعه لتعويض تكلفة الإنتاج.
وكتبوا فى المقال: «نفوذ الطاغية البترولية- حفنة من الدول المنتجة التى تتمع بالقدرة على ممارسة تأثير كبير على أسعار البترول- سيقع ضحية لليد الخفية فى السوق، الذى يعد مسلحاً على نحو متزايد باستخراج البترول الجديد والتكنولوجيات الموفرة للطاقة والحلول غير البترولية فى وسائل النقل وتوليد الطاقة والبيتروكيماويات».
وسيتطلب هذا الأمر إعادة الصف السياسى وحتى الجيوسياسي، كما يقول كاتبو المقال، وستتحول أمريكا اللاتينية من الشعبوية اليسارية إلى اليمين، وفى الشرق الأوسط، سيضعف نفوذ السعودية لصالح تركيا وإسرائيل وإيران، وتتمتع طهران بالفعل بفائض تجارى غير بترولى العام الماضى إذ إنها تعتمد على البترول على نحو أقل من السعودية)، وربما سينهار العراق وسوريا، ولن تكون العولمة كما هى مرة أخرى.
وبعد أن أعلن محمد بن سلمان، ولى ولى العهد السعودي، خطة إصلاح تهدف إلى جعل اقصاد بلاده غير قائم على البترول مطلع عام 2030، بدا مقال أفين وكأنه علامة أخرى على القلق العميق فى الدول الرئيسية المنتجة للبترول، ولا يوجد شيء جديد حيال هذا الأمر، فكل مرة تنخفض فيها الأسعار، تظهر الانتقادات الحادة للفساد وعدم الكفاءة والمحسوبية المستوطنة فى الدول المنتجة للبترول.
الفرق أنه خلال دورة انخفاض أسعار البترول السابقة، كان من المتوقع ارتفاع أسعار البترول مرة أخرى، وكانت فرصة حدوث هذا الأمر كبيرة، ولكن فى سيناريو اليوم، سواء ذلك الذى كتبه أفين أو الأمير محمد، فالفكرة العامة تدور حول عدم ارتفاع الأسعار مرة أخرى أبداً.
ومن السهل أن تشترى البترول إذا قرأت العديد من القصص الإخبارية عن الإنجازات التكنولوجية للحفارات الأمريكية، ومن الصعب أن تُقبل على الشراء إذا تطرقت إلى تفاصيل إنتاج البترول الأمريكى أو إحصائيات استثمارات الطاقة.
ولا يوجد دليل بعد على أن طفرة البترول الأمريكى قد انتهت، فحتى الآن مسار الطلب على البترول تصاعدي، وما لم تندلع اضطرابات، لن تتغير العادات الاستهلاكية، من المرجح أن يستمر هذا المسار التصاعدى للطلب، ولاسيما فى الدول النامية مثل الهند، التي تقود نمو الطلب حالياً.
ونقص الاستثمارات فى التنقيب عن البترول وإنتاجه خلال العامين الماضيين سيجعل البترول نادراً مرة أخرى، فالطفرة الصغيرة الحالية، التى رفعت أسعار التبرول إلى ما يقرب من 50 دولاراً للبرميل من أدنى مستوياته التى وصلت إلى 28 دولاراً فى يناير الماضي، توضح ما سيحدث بعد ذلك.
ولا يزال مقال أفين مهماً، إذ إنه يمثل مجموعة صغيرة متبقية من الليبراليين الاقتصاديين والسياسيين الذين لهم تأثير نسبي ويأسفون على ابتعاد روسيا عن المسار الغربي، ولم يذكر أفين بوتين، الرئيس الروسي، فى مقاله بل ظل يشير إلى روسيا الحديثة.
وكان تحذير أفين واضحاً فى مقاله حيال انكماش النمو الاقتصادى وتحفيز نمو القطاع غير النفطي.
وتغيرت قواعد الجدال فى روسيا كثيراً خلال السنوات الأخيرة، ولكن الجدال فى حد ذاته لم يتوقف تماماً، فمسار روسيا فى المستقبل يعتمد على ما إذا كان بوتين على استعداد للاستماع للناقدين ولو حتى قليلاً.
المصدر: وكالة أنباء «بلومبرج»
إعداد: نهى مكرم