الأزمة المالية وراء التشكيك فى جدوى الوحدة الاقتصادية
تدور أسئلة كبيرة حول انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبى قبيل ساعات من الاستفتاء الذى يخوضه الإنجليز اليوم للتصويت بنعم أم لا فى ظل أجواء تتسم بالانحياز والتشويه والمبالغة أيضاً. لكن الإجابة عن بعض هذه الأسئلة قد يفسر كثيراً من الأمور الغامضة، ويساعد على تكوين وجهة نظر محايدة سليمة وواقعية.
1- لماذا يخوض البريطانيون هذا الاستفتاء؟
ربما أن رئيس الوزراء البريطانى ديفيد كاميرون يسأل نفسه هذا السؤال، لكن المؤكد أنه لم يملك إجابة واضحة بعيداً عن مراوغة السياسيين المعهودة.
وتشير صحيفة الإندبندنت البريطانية فى تقرير لها إلى أنه لم يكن للرأى العام البريطانى قول مباشر لعلاقة بلاده مع أوروبا منذ عام 1975، عندما صوَّت للبقاء فى ما كان يعرف آنذاك بالاتحاد الاقتصادى الأوروبى، وفى السنوات التى تلت ذلك تغيرت أوروبا.
وبعد ذلك جاء التصويت على الانضمام إلى «السوق المشتركة» من تسع دول أعضاء، بلغ عدد سكانها 250 مليون نسمة فى حينها واليوم وصل أعضاء الاتحاد الأوروبى إلى 28 دولة، يبلغ عدد سكانها مجتمعة أكثر من 500 مليون نسمة، منها 19 تبنت سياسة العملة الموحدة. وشهدت تلك الفترة تحول المعاهدات المتعاقبة منذ عام 1975 للاتحاد الأوروبى من ترتيب للعلاقات التجارية إلى اتحاد سياسى متكامل، ما أعطى لبروكسل عاصمة الاتحاد الأوروبى تأثيراً على العديد من المناطق الأخرى سياسياً.
ومنذ توقيع معاهدة ماستريخت لعام 1992 التى أنشأت الاتحاد الأوروبى يدور الحديث عن حق التصويت الذى ينبغى أخذه بعين الاعتبار فى كيفية إدارة الأمور وإحداث التغيير بمشاركة المواطنين الذين يرفضون أن يتم نقل حق تمثيلهم من برلمانهم المنتخب إلى البرلمان الأوروبى فى بروكسل.
لكن استمرار النمو الاقتصادى لفترة طويلة حتى الانهيار المالى عام 2008 فى ظل حكومتى حزب العمال المؤيدة للاتحاد الأوروبى برئاسة، تونى بلير وجوردون براون أعطى مصداقية لفكرة أن يسيطر الاتحاد الأوروبى على إدارة الأمور طالما يحقق الازدهار فى بريطانيا، وبذلك وضعت القضية على نار هادئة لمدة 20 عاماً تقريباً.
2- لماذا عادت قضية الاستمرار فى الاتحاد الأوروبى إلى دائرة الضوء الآن؟
عندما دخل كاميرون داوننج ستريت – مقر الحكومة البريطانية – فى 2010 كان مصمماً أن يكون رئيس وزراء من المحافظين الذين لم ينشغلوا بحروب داخلية حزبية وألا يتطور صراع من هذا النوع إلى أنحاء أوروبا. كما كان يأمل فى أن الدعم المتبادل مع دول مثل ألمانيا سوف يقلل من قوة الفريق المناهض للوحدة الأوروبية، ما سيسمح له بأن يركز على برنامج الإصلاح الداخلى له.
3- لماذا ساءت الأوضاع؟
قلل كاميرون والطبقة السياسية بشكل عام من الاستياء العام الذى انتشر بشكل واسع الناجم عن تدفق المهاجرين الأوروبيين إلى البلاد منذ انضمام بلدان أوروبا الشرقية فى أوائل القرن الحالي.
وتدفق على بريطانيا السباكون والبناءون من بولندا، بالإضافة إلى النادلات، ولكن الانهيار المالى لعام 2008 وانخفاض مستويات المعيشة أثارا الاستياء الذى كان السياسيون من جميع الأحزاب الرئيسية الثلاثة يرفضون الاعتراف به، واضطروا على نحو متباطئ للاستجابة له.
وفى ظل هذه الأوضاع صعد نجم حزب الاستقلال بزعامة نايجل فاراج، وحصل فى الانتخابات العامة لعام 2010 على نحو 3%، مقابل 1% فقط فى 2005.
وبحلول عام 2012 ارتفعت حظوظ حزب الاستقلال، وتقول بعض الدراسات، إنه يحظى بدعم تصل نسبته إلى 15% من الناخبين، وهو ما يعنى إمكانية فوزهم بمقاعد تدعم حزب العمال ضد حزب المحافظين الحاكم فى مجلس العموم البريطاني.
وظهرت مطالب سرية وعلنية بأن يعطيهم رئيس الوزاراء شيئاً يرضى طموحهم، وكان ذلك الشيء هو الاستفتاء على البقاء فى الاتحاد الأوروبى من عدمه، ليصب ذلك فى مصلحة المحافظين الذين شنوا حملة انتخابية فى 2015 تقوم على أن استمرار حكمهم يعنى أنه سيكون للشعب فرصة للإدلاء برأيه فى هذه القضية الحيوية.
وهكذا فى يناير 2013، أعلن كاميرون عن تعهده بإجراء الاستفتاء إذا فاز حزب المحافظين فى الانتخابات.
4- هل كان رئيس وزراء بريطانيا نفسه يرغب فى الاستفتاء؟
تقول جريدة الإندبندنت البريطانية، إنه لا أحد يجزم بالاجابة لكن على الأرجح، أنه لم يكن يؤيد فكرة الاستفتاء فكما يقال إن كاميرون لم يكن لديه كثير من الخيارات سوى القليل بشأن هذه القضية. فمن ناحية كان عليه التصدى للفريق المناهض للوحدة الأوروبية حينما يتنازل عن جزء من صلاحياته للاتحاد نفسه. وفى الوقت نفسه، كان هناك ضرورة لان يصطاد ثعلب حزب الاستقلال.
5- لماذا لجأت حكومة المحافظين للاستفتاء رغم المخاطرة؟
يعود السبب الرئيسى إلى أن كاميرون نفسه يعتقد أن فكرة الانفصال عن الاتحاد الأوروبى لن تلقى دعماً سياسياً كبيراً، خصوصاً من المنافس اللدود حزب العمل تحت قيادة إد ميليباند، كما توقع معارضة الديمقراطيين الأحرار بشدة للخروج.
6- هل كان قرار اللجوء للاستفتاء سوء تقدير؟
ترى الصحيفة البريطانية، أن القرار كان بالفعل خطأ فى تقدير الموقف، وهو ما اتضح للحكومة لكن عندما فاز المحافظون فى عام 2015 بالانتخابات العامة كانوا يعلمون أن عليهم الوفاء بالتعهد الذى حقق لهم الانتصار بإجراء الاستفتاء قبل نهاية عام 2017.
وبدأ كاميرون حملة للترويج لجهود إعادة التفاوض حول شروط البقاء فى الاتحاد الأوروبى، مؤكداً أن قراره بشأن التصويت بنعم أم لا فى الاستفتاء سوف يتحدد بعد التوصل لاتفاق فى هذا الصدد.
ومع تصاعد حدة النقاش خشى حزب المحافظين الحاكم أن القضية ستظل تهيمن على الأجندة السياسية لفترة أطول من اللازم فقرر الاستعجال فى موعد الاستفتاء ليكون اليوم 23 يونيو 2016.
7- هل سيكون الاستفتاء الكلمة الأخيرة فى هذا الشأن؟
استبعد كاميرون أن يتم إجراء استفتاء ثانٍ من هذا النوع، قائلاً إنه يجب أن يكون «مرة واحدة فى الجيل الواحد، ليكون مرة واحدة فى العمر»، لكن زعيم حزب الاستقلال له رأى مختلف، ما يدل على أن الفوز بفارق ضئيل سيعنى استمرار لغط كبير قد يؤدى إلى إجراء جولة ثانية من التصويت. وبالمثل. كما يتوقع البعض أن التصويت بفارق كبير لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبى سيدفع بروكسل لتقديم عروض مغرية للبقاء، ما يعنى إجراء استفتاء آخر على العرض الجديد.