بقلم: دكتور/طارق سعد الدين شل
مدير العلاقات الخارجية بالمصرف المتحد
قررت لجنة السياسات النقدية بالبنك المركزى المصرى يوم الخميس الموافق 16 يونيو 2016 رفع سعر الفائدة على الإيداع 10.75% والإقراض 11.75%، وذلك بنسبة 1% (أى بمقدار 100 نقطة أساس) ليصبح سعر الفائدة على الإيداع 11.75% وعلى الإقراض 12.75%، وقد أرجعت لجنة السياسات ذلك القرار إلى مواجهة الارتفاع فى معدل التضخم، ذلك فى الوقت الذى كان يتطلب سياسات نقدية توسعبة من أجل تنشيط الطلب وتحفيز المناخ الاستثمارى وقراءة فى أسباب وتبعات القرار فمن وجهة نظرنا فإنه قد يخلف العديد من الآثار السلبية فى معظمها خاصة أن أسعار الفائدة فى مصر مرتفعة أصلاً بالمقارنة لباقى دول العالم، والتى تتراوح أسعار الفائدة فيها ما بين 0.5% و1.5%.
فقرار رفع أو خفض سعر الفائدة يرتبط بحالة الاقتصاد فرفع سعر الفائدة من شأنه أن يولد حالة من الانكماش الاقتصادى، وهى حالة غير مطلوبة للاقتصاد المصرى فى هذه المرحلة التى تتطلب مزيداً من الاستثمار والإنتاج لزيادة العرض وخلق فرص عمل جديدة، وبالتالى خفض معدلات البطالة، فارتفاع سعر العائد سيؤدى لانخفاض معدلات الاستثمار وزيادة البطالة وارتفاع معدل التضخم ولكن على عكس المتوقع أصدر البنك المركزى هذا القرار مكافحة للتضخم، حيث إن ارتفاع معدل التضخم عن سعر الفائدة من شأنه أن يؤدى إلى حالة من الادخار السلبى، وبالتالى قد يكون للقرار عائد إيجابى يزيد عليه توقع ارتفاع العائد على الشهادات، التى ستؤدى لجذب المزيد من الودائع لاستفادة من ارتفاع العائد عليها.
ومن ناحية أخرى قد تكون الرغبة فى مساندة سعر صرف العملة المحلية من أسباب القرار فقد شهد سوق الصرف الموازية انهيارا فى سعر صرفها مقابل العملات الأجنبية، وبالتالى محاصرة السوق السوداء، والتى وصل سعر صرف الجنيه/دولار أمريكى فيها إلى 11 جنيها/ دولار.
من أسباب القرار اجتذاب السيولة من السوق بمنح المودعين عائد يساوى أو يزيد عن معدل التضخم والذى وصل إلى أكثر من 12% تقريبا، وهو ما يحفز المواطنين على زيادة ودائعهم بالبنوك بما يضمن عدم تآكل أموالهم، وبالتالى كان البعد الاجتماعى متضمنا عند اتخاذ القرار، وبالتالى فالتأثير إيجابى على أصحاب الودائع حيث يزيد دخلهم القابل للتصرف مما يعينهم على تحمل الارتفاع فى أسعار السلع (ارتفاع معدل التضخم)، وبالتالى يرفع القوة الشرائية للقطاع العائلى.
على الجانب الآخر سيمتد اجتذاب السيولة إلى قطاعات الاستثمار الأخرى، وقد يمتد إلى البورصة وتحويل تلك السيولة للبنوك دون الاستثمار، ويعود ذلك إلى تحول المستثمرين بالبورصة نحو الاستثمار فى أدوات الدين الحكومى (وهى أداة دين حكومية تصدر بصيغة لحاملها وهى قصيرة الأجل تتراوح آجالها ما بين 3 و12 شهرا، وتتسم بارتفاع سيولتها أو قابليتها للتصرف وسهولة التصرف فيها دون أن يتعرض حاملها لخسائر رأسمالية، وتعتبر البنوك العامة أكبر مشترى لتلك الأدوات) وقد يرد على ذلك بنظره واقعية أن ذلك صعب الحدوث نتيجة لعدة أسباب أولها أن سلوك المستثمر فى البورصة يختلف عن سلوك المودع، كما أن صغار المودعين بالبنوك عادة لا يستثمرون بالبورصة، وبالتالى تربطهم بها علاقة ضعيفة لن يؤثر من خلالها رفع سعر الفائدة على قرارهم بالاستثمار، كما أن المستثمر بالبورصة أساساً لن ينظر للعائد المرتفع بالبنوك إذا كان العائد على أمواله المستثمرة بالبورصة أعلى.
سيؤدى رفع سعر الفائدة لزيادة العبء الحكومى بزيادة الدين العام نتيجة ارتفاع الفائدة على الإقراض الحكومى من أجل تمويل عجز الموازنة العامة (حيث سيكون التمويل من خلال أذون الخزانة والسندات)، وذلك بمقدار الزيادة فى العائد
ارتفاع تكلفة الإنتاج بسبب ارتفاع تكلفة الاستثمار مما يؤدى إلى تراجع الاستثمار الأجنبى إلا أنه قد يرد على ذلك بأن الاستثمار الأجنبى لن يتأثر بقوة، حيث إن قرارالاستثمار يؤثر عليه عوامل أخرى بخلاف سعر الفائدة منها الاستقرار الأمنى والسياسى وحجم المخاطر والتشريعات وسهولة الإجراءات الخاصة بالاستثمار وتكلفة عوامل الإنتاج.
كما سيؤدى القرار إلى ارتفاع فى أسعار السلع والخدمات نتيجة لارتفاع تكلفة الإقراض من أجل الاستثمار وافتتاح مشروعات جديدة أو التوسع فى القائمة فعلاً من أجل الإنتاج مما يقوض فرص العمل ويرفع معدلات البطالة، وإجمالاً سيعزز رفع سعر الفائدة من حالة الانكماش التى يعانى منها الاقتصاد بالأساس.
ستقوم البنوك بتوجيه فوائضها نحو سندات حكومية وأذون الخزانة، والتى تدر عليها عوائد عن أن تقوم بتمويل مشروعات تنموية مما يؤدى إلى مزيد من الركود الاقتصادى الأمر الذى من نتيجة زيادة معدلات البطالة وتباطؤ معدل النمو الاقتصادى.
سيؤدى رفع سعر الفائدة من قبل البنك المركزى إلى قبام العديد من البنوك برفع سعر العائد على الودائع بنسب تختلف طبقاً لما تحدده لجنة الأصول والخصوم (لجنة الألكو) بكل بنك على حدة، حيث تحدد العائد طبقاً لأوضاع السيولة والتوظف بكل بنك ما يجعلها تعيد النظر فى سعر الفائدة على الودائع.
سيترتب على القرار التخفبف من حدة الدوللرة، حيث يترتب على رفع سعر العائد على الشهادات عن عائد الاحتفاظ بالدولار انخفاض معدلات شراء الدولار خاصة أن سعره لن يتأثر نظراً لأن السوق السوداء تتأثر فقط بالعرض والطلب ولا يؤثر سعر الفائدة على سعر الدولار.
سيؤثر القرارعلى الإنتاج التصديرى، حيث سيرفع تكاليف الإنتاج الناجمة عن زيادة تكلفة الاقتراض مما يؤثر على القدرة التنافسية للسلع التصديرية فى مواجهة السلع الأجنبية، التى تتسم بالتكلفة الأقل والجودة الأعلى.
قد يكون أحد أغراض القرار جذب الإيداعات الصغيرة والمتوسطة لزيادة التمويل اللازم لما تعتزم الدولة تنفيذه من مشروعات قومية عملاقة، وبالتالى هى خطوة مهمة للحفاظ على الإيداعات بالبنوك فى ظل ارتفاع معدل التضخم، حيث يجب أن يزيد سعر الفائدة عن سعر التضخم حتى لا يصبح الادخار سلبياً، كما قد يترتب على رفع سعر الفائدة رفع العائد على الشهادات بالبنوك، وبالتالى زيادة حجم تلك الشهادات بالبنوك خاصة أنها لاتخضع للإحتياطى الإلزامى بالبنك المركزى كالودائع وعلى الجانب الآخر فإنه قد يكون الغرض هو التوسع فى إصدارات الدين الحكومية لحاجة الحكومة لمنابع تمويلية.
إلا أنه قد يرد على ذلك بأن الحالة الاقتصادية خلال الفترة الحالية بدأت تخطو خطواتها نحو التعافى والازدهار مع الاستقرار السياسى النسبى والذى أدى إلى انتعاش الحركة السياحية كمصدر رئيسى للدخل بالعملة الأجنبية فى ذات الوقت الذى يجب فيه تشجيع تحويلات المصريين بالخارج وجود مصادر تمويلية أخرى.