تأثير استفتاء خروج المملكة المتحدة من عضوية الاتحاد الأوروبي على السوق العقاري
العقارات المؤجرة لجهات تعمل بالقطاعات غير المالية والتي تقع خارج لندن ستوفر مزيدا من الحماية وأي إنخفاض في أسعار الفائدة من شأنه أن يعزز الدخل النقدي
الخالد: “نحث المستثمرين على توخي الحذر خلال الثلاثة أشهر القادمة ومراقبة الأسواق ريثما تتكشف الأمور السياسية ويؤسس لمستوى دعم جديد للجنيه الاسترليني”
أصدرت إدارة الأصول العقارية في بيت الاستثمار العالمي (جلوبل) اليوم تقريراً تناول الآثار المترتبة على نتيجة الاستفتاء لخروج المملكة المتحدة من عضوية الاتحاد الأوروبي وتأثيرها على اقتصاديات المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي والقطاع العقاري.
فقد صوت البريطانيون على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في استفتاء تاريخي يوم الخميس الموافق في 23 يونيو 2016. وكانت التوقعات التي سبقت التصويت تصب لصالح البقاء في الإتحاد الأوروبي بفارق ضئيل مما أثر على أسواق الأسهم والسندات والعملات. لذلك، فقد كانت رده فعل وسائل الإعلام والأسواق للنتائج الرسمية فورية ومضطربة، وخاصة من حيث المضاربة على الجنيه الإسترليني (الذي أنهى الأسبوع الأول من التداول على تراجع بنسبة 12 في المائة مقابل الدولار الأمريكي كما في 1 يوليو 2016) وعلى طبيعة العلاقات الاقتصادية والتجارية في المستقبل بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي.
ولتنفيذ عملية الخروج من الإتحاد الأوروبي، لا بد من تصويت برلمان المملكة المتحدة للبدء رسميا بخروجها من الاتحاد الأوروبي. وبعد الحصول على موافقة البرلمان، يتعين على الحكومة البريطانية إرسال إشعار الانسحاب إلى المجلس الأوروبي تماشياً مع المادة 50 من معاهدة لشبونة الخاصة بعملية الخروج من الاتحاد الأوروبي، مما يمنح المملكة المتحدة فترة سنتين للتفاوض بشأن الإنسحاب. وصرح رئيس وزراء بريطانيا ديفيد كاميرون انه سيتنحى عن منصبه كرئيس للوزراء في اكتوبر القادم إفساحاً بالمجال لتولي هذه المسؤولية من قبل رئيس الوزراء المقبل والذي سيكون من حزب المحافظين الذي ينتمي إليه كاميرون. من ناحية أخرى، طلب القادة الأوروبيين من كاميرون البدء فوراً بعملية الخروج.
وعلى الرغم من ردود الفعل السياسية والمالية السلبية لهذا التصويت التاريخي التذبذب في أسواق رأس المال العالمية، إلا أن السياسات والتشريعات الخاصة بعضوية المملكة المتحدة في الاتحاد الأوروبي لن تتغير على الفور. فبعد إرسال إشعار الإنسحاب من الاتحاد الأوروبي ستحتاج المملكة المتحدة إلى إلغاء أو تعديل أو الاحتفاظ بالآلاف من التشريعات المستمدة من الاتحاد الأوروبي، بما في ذلك اتفاقيات التجارة والعمل والتي من المتوقع أن تستغرق ما يصل إلى عشرة سنوات للإنتهاء منها. لذلك، فإنه بإنتظار وضوح الرؤية وتراجع حالة عدم اليقين، سوف نشهد إستمراراً للتذبذب في الأسواق وبالأخص من قبل المستثمرين بالجنيه الإسترليني والأسهم المدرجة في لندن والسندات الحكومية الصادرة عن المملكة المتحدة.
وفي ضوء المخاطر السياسية والمالية، من المتوقع أن يستجيب البنك المركزي البريطاني بسرعة وبحكمة لتوفير السيولة الكافية لتجنب أي ضغوط تمويلية وخاصة بعد تجربة الأزمة المالية العالمية في العام 2008 والتي لا تزال موجودة في ذاكرتهم. فإن مستوى تراجع الجنيه الإسترليني من المرجح أن يشجع على المزيد من ردود الفعل. فقد أصبح خفض سعر الفائدة بـ 25 نقطة أساس احتمال قوي و وارد إعتماده في اجتماع لجنة السياسة النقدية للبنك المركزي البريطاني في يوليو، أو قبل ذلك إذا لزم الأمر. وعلاوة على ذلك، فإن سياسة التيسير الكمي ممكن أن تطرح مجدداً معتمدة على الانخفاض في مستويات الاستثمار العام والخاص. لقد أثبتت الأداة السياسة النقدية هذه جدواها في الماضي، ومن المتوقع أن تعيد الثقة إلى المستثمرين في السلع المالية بمختلفها، إذا دعت الحاجة إلى ذلك.
يتعين على البنك المركزي البريطاني تحسين المعنويات تجاه الجنيه الإسترليني لتجنب المزيد من الضعف في قيمة العملة لفترة طويلة مما يؤدي إلى تجاوز نسبة التضخم السنوي المستهدفة من قبل البنك المركزي البريطاني وهي بحدود 2 في المائة. ومع ذلك، فإن عودة ظهور التضخم الناتج عن انخفاض قيمة الجنيه الاسترليني يمكن أن يشجع المستثمرين لإستهداف الأصول القابلة للنمو بحلول العام المقبل. وبالإضافة إلى ذلك، فإن تأثير سعر الصرف وانخفاض أسعار الأصول نتيجة للمخاوف من الخروج من الإتحاد الأوروبي يمكن أن يجذب المستثمرين من الخارج للإستثمار في العقارات السلع المالية الأخرى في المملكة المتحدة كونها أحد أكبر اللإقتصاديات من ضمن مجموعة السبع و ما يتمتع به إقتصاد المملكه المتحده من نمو خلال السنوات الماضية.
كما ان من الواضح أن المخاطر الأساسية لاقتصاد المملكة المتحدة تكمن في إحتمالية الدخول في فترة ركود الاقتصادي شامل. ونظرا للمستوى العالي من عدم اليقين بشأن خروج بريطانيا من الإتحاد الاوروبي، فهنالك تساؤلات كثيرة لا تزال قائمة. ففي حال وضع شروط مجحفة على الصادرات البريطانيه في الاتفاقيات التجارية الجديدة مع الاتحاد الاوروبي سيكون لها اثرعلى النمو الاقتصادي ككل. وفي التقرير الصادر عن جولدمان ساكس و الذي قيم الآثار الاقتصادية المحتملة نتيجة الإستفتاء، رأى التقرير بأن ارتفاع حالة عدم اليقين تجاه الإقتصاد البريطاني من شأنه أن يقلص الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي في المملكة المتحدة بنسبة 1 إلى 2 في المائة خلال فترة 12 إلى 18 شهرا القادمة، وهي أقرب إلى الركود. كما أن توقعات التضخم على المدى الطويل يمكن أن تؤدي أيضا إلى انخفاض في الإنفاق الاستهلاكي والرأس مالي، مما يزيد من التحديات الاقتصادية التي ستواجهها المملكة. رغم ذلك، فإن وجود الأسس لإقتصاد قوي والأنظمة الرأسمالية التي فرضت بعد الأزمة المالية العالمية في 2008 ستساهم في تجنب الإقتصاد البريطاني من التباطؤ لفترات طويلة.
و في هذا الصدد أشار ناصر الخالد مدير وحدة إدارة الاصول العقارية في بيت الإستثمار العاالمي (جلوبل) “بما أن التذبذب في أسواق رأس المال جراء عملية الإنسحاب من الإتحاد الأوروبي سيشهد مد وجزر، لا يزال سوق العقارات التجارية قوياً كما كان قبل التصويت. تشير التوقعات إلى عدة إحتمالات، فمن الممكن أن تبقى بعض الصفقات معلقة وأن يتم إلغاء البعض الآخر نتيجة حالة عدم اليقين تجاه الأوضاع الاقتصادية المستقبلية في المملكة المتحدة، فضلا عن إعادة النظر بالمساحة المطلوبة خارج الاتحاد الأوروبي. وعلاوة على ذلك، لن تتأثر جميع القطاعات العقارية بنفس القدر. فقد كشفت دراسة أجراتها وزارة المالية البريطانية إلى أن القطاعات الأكثر عرضة للمخاطر تشمل الخدمات المالية والخدمات المهنية والتكنولوجيا ولكن لا يمكن قياس الأثر على هذه القطاعات قبل وضوح طبيعة العلاقات التجارية بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي بعد خروج المملكة من الإتحاد الاوروبي. وفور حدوث التصحيح الأولي، سيشكل إنخفاض سعر صرف الجنيه الإسترليني و قيم العقارات فرصة مناسبة للشراء للمستثمرين الاجانب. وهذا من شأنه أن يؤدي إلى اتساع الفجوة في العائد مع ارتفاع عوائد العقارات وتراجع أسعار السندات نتيجة المزيد من إجراءات التسهيل النقدي (quantitative easing) الذي سيتخذها البنك المركزي البريطاني.”
على المدى الطويل، ممكن أن يكون تأثير إنسحاب المملكة المتحدة على الاتحاد الأوروبي أكبر من تأثيره على المملكة المتحدة بشكل مستقل. فقد كانت المملكة المتحدة واحدة من المكونات الأكثر استقرارا اقتصاديا (جنبا إلى جنب مع ألمانيا) في الاتحاد الأوروبي وضمن مجموعة السبع الإقتصادية، وبالتالي خروجها من من الاتحاد الأوروبي يخفف تأثير الاتحاد على المستوى العالمي. ومن جهة أخرى، ممكن أن تجري إسكتلندا استفتاء ثانياً لتقرير البقاء أو الإنسحاب من المملكة المتحدة رغم أن هذا الإحتمال مستبعد في الوقت الراهن نظراً للقيود على ميزانية الحكومة الاسكتلندية نتيجة التراجع في أسعار النفط في الآونة الأخيرة.
وعلاوة على ذلك، فإن عملية إنسحاب بريطانيا من الإتحاد الأوروبي أوجدت مفهوماً لدى أعضاء الإتحاد الآخرين بأن لديهم الخيار في البقاء أو الإنسحاب بالشروط التي يرونها مناسبة. ومن القضايا الرئيسية التي تتطلب معالجتها من قبل الاتحاد الأوروبي لمنع تكرار عملية الإنسحاب التكامل المالي وحرية تنقل الأشخاص. وتشمل الأحداث الحاسمة القادمة في ايطاليا وفرنسا استفتاء إيطاليا بشأن الإصلاح الدستوري في أكتوبر، ووضع الجبهة الوطنية الفرنسية في موقف قوي قبل الانتخابات الرئاسية في البلاد في شهري أبريل ومايو 2017. وقد دعت القيادية في الجبهة الوطنية، مارين لوبان إلى إجراء استفتاء على عضوية فرنسا في الاتحاد الأوروبي، لترفع الشكوك في أنسحاب فرنسا (أو ما يعرف بالـ “فريكسيت”) بعدما تبددت الشكوك تجاه إنسحاب بريطانيا (أو ما يعرف بالـ “بريكسيت”)
و أضاف الخالد قائلا: “إن المستثمرين المقيمين في الدول التي ترتبط عملاتها بالدولار سيتأثرون بشكل مباشر وفوري بتقلبات العملة. فالاستثمارات العقارية التي تمت في المملكة المتحدة خلال الأشهر الإثني عشر الماضية منيت بخسائر غير محققة تتراوح بين ٦ و ١٥ في المائة جراء تراجع سعر الجنيه الإسترليني مقابل الدولار الأمريكي.” و أضاف قائلا ” لكن سياسة الإستثمار العقاري التي ركزت على الإستثمار في عقارات مدرة للدخل والمؤجرة على جهات ذات مراكز مالية قوية ستحد من تأثير هذه التقلبات على قيمها. وعلاوة على ذلك، فإن الأصول العقارية المؤجرة لجهات تعمل بالقطاعات غير المالية والتي تقع خارج لندن ستوفر مزيدا من الحماية وأن أي إنخفاض في أسعار الفائدة من شأنه أن يعزز الدخل النقدي.”
من المتوقع أن يشهد الجنيه الاسترليني تذبذباً وتراجعا أكثر مع إتضاح الرؤية وتراجع حالة عدم اليقين. فعلى المدى المتوسط، ونتيجة للتدابير التي سيتخذها البنك المركزي البريطاني، من المتوقع أن يستقر سعر صرف الجنيه الإسترليني كون المستثمرين والمراقبين حاليا في ذروة التشاؤم. ونتيجة الطبيعة السياسية للحملة، من الممكن أن يتراجع سعر صرف الجنيه الاسترليني دون أي مبررات أساسية. وعلاوة على ذلك، يمكن أن يؤخر مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي قراره برفع أسعار الفائدة قبل العام المقبل لعدم الاستقرار الاقتصادي والمالي في الأسواق العالمية مما يدعم الجنيه الإسترليني. كما أن إستمرار إنخفاض أسعار الفوائد في المملكة المتحدة وأوروبا سوف توفر مزيداً من الحوافز لأسواق العقارات المعنية.
وختم الخالد قائلاً: “نحث المستثمرين على توخي الحذر خلال الثلاثة أشهر القادمة ومراقبة الأسواق ريثما تتكشف الأمور السياسية ويتم تأسيس مستوى دعم جديد للجنيه الاسترليني. ونحن نعتقد أن بيئة أسعار الفائدة المنخفضة وضعف الجنيه الإسترليني ستشكل فرصة مغرية للشراء. وعلاوة على ذلك، فإن الوضع الحالي و ما يشكله من عدم إتضاح للرؤية من المرجح أن يؤدي إلى زيادة الطلب على الأصول ذات الدخل على المدى الطويل. و سيساهم هذا الطلب بإنخفاض عوائد السندات طويلة الأجل و الذي من دوره سيؤسس دعم لمتوى عوائد العقارات ذات دخل طويل الأجل”